السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الصيام:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

كتاب الصيام: Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الصيام:   كتاب الصيام: I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 31, 2015 6:38 pm


.مدخل:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: فيه صريح الرد على الروافض الذين يريدون تقديم الصوم على الرؤية لأن رمضان اسم لما بين الهلالين فإذا صام قبله بيوم فقد تقدم عليه.
الثاني: فيه تبيين لمعنى الحديث الآخر الذي فيه: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وبيان أن اللام للتأقيت لا للتعليل كما زعمت الروافض ولو كانت للتعليل لم يلزم تقديم الصوم على الرؤية أيضا كما تقول: أكرم زيدا لدخوله فلا يقتضي تقديم الإكرام على الدخول ونظائره كثيرة وحمله على التأقيت لابد فيه من احتمال تجاوز وخروج عن الحقيقة لأن وقت الرؤية وهو الليل لا يكون محلا للصوم.
الثالث: فيه دليل على أن الصوم المعتاد إذا وافقت العادة فيه ما قبل رمضان بيوم أو يومين أنه يجوز صومه ولا يدخل تحت النهي وسواء كانت العادة بنذر أو بسرد عن غير نذر فإنهما يدخلان تحت قوله: «إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه».
الرابع: فيه دليل على كراهية إنشاء الصوم قبل الشهر بيوم أو يومين بالتطوع فإنه خارج عما رخص فيه ولا يبعد أن يدخل تحته النذر المخصوص باليوم من حيث اللفظ ولكنه تعارضه الدلائل الدالة على الوفاء بالنذر.
2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يدل على تعليق الحكم بالرؤية ولا يراد بذلك رؤية كل فرد بل مطلق الرؤية ويستدل به على عدم تعليق الحكم بالحساب الذي يراه المنجمون وعن بعض المتقدمين أنه رأى العمل به وركن إليه بعض البغداديين من المالكية وقال به بعض أكابر الشافعية بالنسبة إلى صاحب الحساب وقد استشنع هذا لما حكي عن مطرف بن عبد الله من المتقدمين قال بعضهم: ليته لم يقلها.
والذي أقول به أن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمفارقة القمر للشمس على ما يراه المنجمون من تقدم الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين فإن ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله تعالى وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلا فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي وليس حقيقة الرؤية بشرط من اللزوم لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو بالاجتهاد بالإمارات إن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه.
الثاني: يدل على وجوب الصوم على المنفرد لرؤية هلال رمضان وعلى الإفطار على المنفرد برؤية هلال شوال ولقد أبعد من قال بأنه لا يفطر إذا انفرد برؤية هلال شوال ولكن قالوا: يفطر سرا.
الثالث: اختلفوا في أن حكم الرؤية ببلد هل يتعدى إلى غيرها مما لم ير فيه؟ وقد يستدل بهذا الحديث من قال بعدم تعدي الحكم إلى البلد الآخر كما إذا فرضنا أنه رئي الهلال في ببلد في ليلة ولم ير في تلك الليلة بآخر فتكلمت ثلاثون يوما بالرؤية الأولى ولم ير في البلد الآخر هل يفترون أم لا؟ فمن قال بتعدي الحكم قال بالإفطار وقد وقعت المسألة في زمن ابن عباس وقال لا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه وقال: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث العام لا حديثا خاصا بهذه المسألة وهو الأقرب عندي والله أعلم.
الرابع: استدل لمن قال بالعمل بالحساب في الصوم بقوله: «فاقدروا له» فإنه أمر يقتضي التقدير وتأوله غيرهم بأنه المراد إكمال العدة الثلاثين ويحمل قوله: «فاقدروا له» على هذا المعنى أعني إكمال العدة الثلاثين كما جاء في الرواية الأخرى مبينا: «فأكملوا العدة ثلاثين».
والمراد بقوله عليه السلام: «غم عليكم» استتر أمر الهلال وغم أمره وقد وردت فيه روايات على غير هذه الصيغة.
3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة».
فيه دليل على استحباب السحور للصائم وتعليل ذلك بأن فيه بركة وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية لقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إجحاف به.
و«السَّحور» بفتح السين ما يتسحر به وبضمها الفعل هذا هو الأشهر والبركة محتملة لأن تضاف إلى كل واحد من الفعل والمتسحر به معا وليس ذلك من باب حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين بل من باب استعمال لمجاز في لفظة في وعلى أن يجوز أن يقال في أن في السحور بفتح السين وهو الأكثر وفي السحور بضمها.
ومما علل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب فإنه يمتنع عندهم السحور وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأمور الأخروية.
4- عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال: «تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية».
فيه دليل على استحباب تأخير السحور وتقريبه من الفجر والظاهر أن المراد بالأذان هاهنا الأذان الثاني وإنما يستحب تأخيره لأنه أقرب إلى حصول المقصود من حفظ القوى وللمتصوفة وأرباب البطن في هذا الكلام تشوفوا فيه إلى اعتبار معنى الصوم وحكمته وهو كسر شهوة البطن والفرج وقالوا: إن من لم تتغير عليه عادته في مقدار أكله لا يحصل له المقصود من الصوم وهو كسر الشهوتين.
والصواب إن شاء الله أن ما زاد في المقدار حتى تعدم هذه الحكمة بالكلية لا يستحب كعادة المترفين في التأنق في المآكل والمشارب وكثرة الاستعداد فيها وما لا ينتهي إلى ذلك فهو مستحب على وجه الإطلاق وقد تختلف مراتب هذا الاستحباب باختلاف مقاصد الناس وأحوالهم واختلاف مقدار ما يستعملون.
5- عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم».
كان قد وقع خلاف في هذا فروى فيه أبو هريرة حديثا «من أصبح جنبا فلا صوم له» إلى أن روجع في ذلك بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت بما ذكر من كونه: «كان يصبح جنبا ثم يصوم» وصح أيضا: «أنه أخبر بذلك عن نفسه» وأبو هريرة أحال في روايته على غيره واتفق الفقهاء على العمل بهذا الحديث وصار ذلك إجماعا أو كالإجماع.
وقولها: «من أهله» فيه إزالة لاحتمال يمكن أن يكون سببا لصحة الصوم فإن الاحتلام في المنام آت على غير اختيار من الجنب فيمكن أن يكون سببا للرخصة فبين في هذا الحديث أن هذا كان من جماع ليزول هذا الاحتمال ولم يقع خلاف بين الفقهاء المشهورين في مثل هذا إلا في الحائض إذا طهرت وطلع عليها الفجر قبل أن تغتسل ففي مذهب مالك في ذلك قولان- أعني في وجوب القضاء- وقد يدل كتاب الله أيضا على صحة صوم من أصبح جنبا فإن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم مطلقا ومن جملته الوقت المقارب لطلوع الفجر بحيث لا يسع الغسل فتقتضي الآية الإباحة في ذلك الوقت ومن ضرورته الإصباح جنبا والإباحة لسبب الشيء إباحة للشيء وقولها: (من أهله) فيه حذف مضاف أي من جماع أهله.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه».
اختلف الفقهاء في أكل الناسي للصوم هل يوجب الفساد أم لا؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يوجب وذهب مالك إلى إيجاب القضاء وهو القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر في طلب المأمورات وعمدة من لم يوجب القضاء هذا الحديث وما في معناه أو ما يقاربه فإنه أمر بالإتمام وسمي الذي يتم صوما وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية وإذا كان صوما وقع مجزئا ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء والمخالف حمله على أن المراد إتمام صورة الصوم وهو متفق عليه ويجاب بما ذكرناه من حمل الصوم على الحقيقة الشرعية وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى اللغوي والشرعي كان حمله على الشرعي أولى اللهم إلا أن يكون ثم دليل خارج يقوي به هذا التأويل المرجوح فيعمل به.
وقوله: (فإنما الله أطعمه وسقاه) يستدل به على صحة الصوم فإن فيه إشعارا بأن الفعل الصادر منه مسلوب الإضافة إليه والحكم بالفطر يلزمه الإضافة إليه والذين قالوا بالإفطار حملوا ذلك على أن المراد الإخبار برفع الإثم عنه وعدم المؤاخذة به وتعليق الحكم بالأكل والشرب لا يقتضي من حيث هو هو مخالفة في غيره لأنه تعليق الحكم باللقب فلا يدل على نفيه عما عداه أو لأنه تعليق الحكم بالغالب فإن نسيان الجماع نادر بالنسبة إليه والتخصيص بالغالب لا يقتضي مفهوما.
وقد اختلف الفقهاء في جماع الناسي هل يوجب الفساد على قولنا: إن أكل الناسي لا يوجبه؟ واختلف أيضا القائلون بالفساد هل يوجب الكفارة؟ مع اتفاقهم على أكل الناسي لا يوجبها ومدار الكل على قصور حالة المجامع ناسيا عن حالة الأكل ناسيا فيما يتعلق بالعذر والنسيان ومن أراد إلحاق الجماع بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس والقياس مع الفارق متعذر إلا إذا بين القائس أن الوصف الفارق ملغى.
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم- وفي رواية: أصبت أهلي في رمضان- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟», قال: لا قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟», قال: لا, قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟», قال: لا, قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر- والعرق: المكتل- قال: «أين السائل؟», قال: أنا, قال: «خذ هذا فتصدق به» فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها- يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: «أطعمه أهلك».
الحرة: أرض تركبها حجارة سود.
يتعلق بالحديث مسائل:
المسألة الأولى: استدل به على أن من ارتكب معصية لا حد فيها وجاء مستفتيا أنه لا يعاقب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية ومن جهة المعنى أن مجيئه مستفتيا يقتضي الندم والتوبة والتعزير استصلاح ولا استصلاح مع الصلاح ولأن معاقبة المستفتي تكون سببا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم في مثل ذلك وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها.
المسألة الثانية: جمهور الأمة على إيجاب الكفارة بإفطار المجامع عامدا ونقل عن بعض الناس: أنها لا تجب وهو شاذ جدا وتقريره على شذوذه أن يقال: لو وجبت الكفارة بالجماع لما سقطت عند مقارنة الإعسار له لكن سقطت فلا تجب أما بيان الملازمة فلأن القياس والأصل أن سبب وجوب المال إذا وجد لم يسقط بالإعسار فإن الأسباب تعمل إلا مع ما يعارضها مما هو أقوى منها والإعسار إنما يعارض وجوب الإخراج في الحال أما ترتبه في الذمة إلى وقت القدرة فلا يعارضه الإعسار في وقت السبب فالقول برفع مقتضى السبب من غير معارض غير سائغ وأما إنها سقطت بمقارنة الإعسار فلأنها لم تؤد ولا أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم إنها مرتبة في الذمة ولو ترتبت لأعلمه.
وجواب هذا إما بمنع الملازمة على مذهب من يرى أنها تسقط بمقارنة الإعسار ويجيب عن الدليل المذكور وإما بأن يسلم الملازمة ويمنع كون الكفارة لم تؤد ويعتذر عن قوله عليه السلام: «كله وأطعمه أهلك» وإما أن يقال بأنها لم تؤد ويعتذر عن السكوت عن بيان ذلك وسيأتي تفصيل هذه الاعتذارات إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة: اختلفوا في جماع الناسي هل يقتضي الكفارة؟ ولأصحاب مالك قولان ويحتج من يوجبها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها عند السؤال من غير استفصال بين كون الجماع على وجه العمد أو النسيان والحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ورد عقيب ذكر واقعة محتملة لأحوال مختلفة الحكم من غير استفصال يتنزل منزلة العموم.
وجوابه: أن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع ومحاولة مقدماتها وطول زمانه وعدم اعتباره في كل وقت مما يبعد جريانه في حالة النسيان فلا يحتاج إلى الاستفصال بناء على الظاهر لاسيما وقد قال الأعرابي هلكت فإنه يشعر بتعمده ظاهرا ومعرفته بالتحريم.
المسألة الرابعة: الحديث دليل على جريان الخصال الثلاث في كفارة الجماع أعني العتق والصوم والإطعام وقد وقع في كتاب المدونة من قول ابن القاسم ولا يعرف مالك غير الإطعام فإن أخذ على ظاهره من عدم جريان العتق والصوم في كفارة المفطر فهي معضلة زباء ذات وبر لا يهتدي إلى توجيهها مع مخالفة الحديث غير أن بعض المحققين من أصحابه حمل هذا اللفظ وتأوله على الاستحباب في تقديم الإطعام على غيره من الخصال وذكروا وجوها في ترجيح الطعام على غيره.
منها: أن الله تعالى قد ذكره في القرآن رخصة للقادر ونسخ هذا الحكم لا يلزم منه نسخ الفضيلة بالذكر والتعيين لإطعام لاختيار الله تعالى له في حق المفطر.
ومنها: بقاء حكمة في حق المفطر للعذر كالكبر والحمل والإرضاع.
ومنها: جريان حكمة في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان ثان.
ومنها: مناسبة إيجاب الإطعام لخبر فوات الصوم الذي هو إمساك عن الطعام والشراب.
وهذا الوجه لا تقاوم ما دل عليه الحديث من البداءة بالعتق ثم بالصوم ثم بالإطعام فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من تقتضي استحبابه وقد وافق بعض أصحاب مالك على استحباب الترتيب على ما جاء في الحديث وبعضهم قال: إن الكفارة تختلف باختلاف الأوقات ففي وقت الشدائد تكون بالإطعام وبعضهم فرق بين الإفطار بالجماع والإفطار بغيره وجعل الإفطار بغيره يكفر بالإطعام لا غير وهذا أقرب في مخالفة النص من الأول.
المسألة الخامسة: إذا ثبت جريان الخصال الثلاثة أعني العتق والصيام والإطعام في هذه الكفارة فهل هي على الترتيب أو على التخيير؟ اختلفوا فيه فمذهب مالك أنها على التخيير ومذهب الشافعي أنها على الترتيب وهو مذهب بعض أصحاب مالك واستدل على الترتيب في الوجوب بالترتيب في السؤال وقوله أولا: «هل تجد رقبة تعتقها؟» ثم رتب الصوم بعد العتق ثم الإطعام بعد الصوم ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة الترتيب في السؤال على ذلك وقال: إن مثل هذا السؤال قد يستعمل فيما هو على التخيير هذا أو معناه وجعله يدل على الأولوية مع التخيير ومما يقوي هذا الذي ذكره القاضي ما جاء في حديث كعب بن عجرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أتجد شاة؟» فقال: لا, قال: «فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين» ولا ترتيب بين الشاة والصوم والإطعام والتخيير في الفدية ثابت بنص القرآن.
المسألة السادسة: قوله: «هل تجد رقبة تعتقها؟» يستدل به من يجيز إعتاق الرقبة الكافرة في الكفارة لأجل الإطلاق ومن يشترط الإيمان يقيد الإطلاق هاهنا بالتقييد في كفارة القتل وهو ينبني على أن السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أم لا؟ وإذا قيد فهل هو بالقياس أم لا؟ والمسألة المشهورة في أصول الفقه والأقرب أنه إن قيد فبالقياس والله أعلم.
المسألة السابعة: قوله: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟», قال: لا, لا إشكال في هذه الرواية على الانتقال من الصوم إلى الإطعام لأن الأعرابي نفى الاستطاعة وعند عدم الاستطاعة ينتقل إلى الصوم لكن في بعض الروايات أنه قال: «وهل أتيت إلا من الصوم؟» فاقتضى ذلك عدم بسبب شدة الشبق وعدم الصبر في الصوم عن الوقوع فنشأ لأصحاب الشافعي في أن هذا هل يكون عذرا مرخصا في الانتقال إلى الإطعام في حق كم هو كذلك أعني شديد الشبق؟ قال بذلك بعضهم.
المسألة الثامنة: قوله: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟» يدل على وجوب إطعام هذا العدد ومن قال بأن الواجب إطعام ستين مسكينا فهذا الحديث يرد عليه من وجهين.
أحدهما: أنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين ولا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم عشرين مسكينا ثلاثة أيام.
الثاني: أن القول بأجزاء ذلك عمل بعلة مستنبطة تعود على ظاهر النص بالإبطال وقد عرف ما في ذلك في أصول الفقه.
المسألة التاسعة: العرق: بفتح العين والراء معا المكتل من الخوص واحدة عرقة وهي ظفيرة تجمع إلى غيرها فيكون مكتلا وقد روي عرق بإسكان الراء وقد قيل أن العرق يسع خمسة عشر صاعا فأخذ في ذلك أن إطعام كل مسكين مد لأن الصاع أربعة أمداد وقد صرفت هذه الخمسة العشر صاعا إلى ستين مدا وقسمه خمسة عشر إلى ستين بربع فلكل مسكين ربع صاع وهو مد.
المسألة العاشرة: اللابة: الحرة والمدينة تكتنفها حرتان والحرة حجارة سود وقيل في ضحك النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون لتباين حال الأعرابي حيث كان في الابتداء متحرقا متلهفا حاكما على نفسه بالهلاك ثم انتقل إلى طلب الطعام لنفسه وقيل: وقد يكون من رحمة الله تعالى وتوسعته عليه وإطعامه له هذا الطعام وإحلاله له بعد أن كلف إخراجه.
المسألة الحادية عشر: قوله عليه السلام: «أطعمه أهلك» تباينت المذاهب فيه فمن قائل يقول هو دليل على إسقاط الكفارة عنه لأنه لا يمكن أن يصرف كفارته إلى أهله ونفسه وإذا تعذر أن تقع كفارته ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم له استقرار الكفارة في ذمته إلى حين اليسار لزم من مجموع ذلك سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لسبب وجوبها وربما قرر ذلك بالاستشهاد بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لاستهلال الهلال وهذا قول الشافعي أعني سقوط هذه الكفارة بهذا الإعسار المقارن ومن قائل يقول: لا تسقط الكفارة بالإعسار المقارن وهو مذهب مالك والصحيح من مذهب الشافعي أيضا وبعد القول بهذا المذهب فههنا طريقان.
الطريق الأول: منع أن لا تكون الكفارة أخرجت في هذه الواقعة.
وأما قوله عليه السلام: «أطعمه أهلك» ففيه وجوه.
منها: ادعاء بعضهم أنه خاص بهذا الرجل أي يجزئه أن يأكل من صدقة نفسه لفقره فسوغها له النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها ادعاء أنه منسوخ وهذان ضعيفان إذ لا دليل على التخصيص ولا على النسخ.
ومنها: أن تكون صرفت إلى أهله لأنه فقير عاجز لا يجب عليه النفقة لعسره وهم فقراء أيضا فجاز إعطاء الكفارة عن نفسه لهم وقد جوز بعض أصحاب الشافعي لمن لزمته الكفارة مع الفقر أن يصرفها إلى أهله وأولاده وهذا لا يتم على رواية من روى: «كله وأطعمه أهلك».
ومنها: ما حكاه القاضي أنه قيل لما ملكه إياه النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتاج جاز له أكلها وإطعامها أهله للحاجة وهذا ليس فيه تلخيص لأنه إن جعل عاما فليس الحكم عليه وإن جعل خاصا فهو القول المحكي أولا.
الطريق الثاني: وهو الأقرب أن يجعل إعطاؤه إياه لا عن جهة الكفارة وتكون الكفارة مرتبة في الذمة لما ثبت وجوبها في أول الحديث والسكوت لتقدم العلم بالوجوب فأما أن يجعل ذلك مع استقرار أن ما ثبت في الذمة يتأخر للإعسار ولا يسقط للقاعدة الكلية والنظائر أو يؤخذ الاستقرار من دليل يدل عليه أقوى من السكوت.
المسألة الثانية عشر: جمهور الأمة على وجوب القضاء على مفسد الصوم بالإجماع وذهب بعضهم إلى عدم وجوبه لسكوته عليه السلام عن ذكره وبعضهم ذهب إلى أنه إن كفر بالصيام أجزأه الشهران وإن كفر بغيره قضى يوما والصحيح وجوب القضاء والسكوت عنه لتقرره وظهوره وقد روي أنه ذكر في حديث عمرو بن شعيب وفي حديث سعيد بن المسيب أعني القضاء والخلاف في وجوب القضاء موجود في مذهب الشافعي ولأصحابه ثلاثة أوجه وهي المذاهب التي حكيناها وهذا الخلاف في الرجل فأما المرأة فيجب عليها القضاء من غير خلاف عندهم إذ لم يوجب عليها الكفارة.
المسألة الثالثة عشرة: اختلفوا في وجوب الكفارة على المرأة إذا مكنت طائعة فوطئها الزوج هل تجب عليها الكفارة أم لا؟ وللشافعي قولان.
أحدهما: الوجوب وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصح الروايتين عن أحمد.
الثاني: عدم الوجوب عليها واختصاص الزوج بلزوم الكفارة وهو المنصور عند أصحاب الشافعي من قوليه ثم اختلفوا هل هي واجبة على الزوج لا تلاقي المرأة أو هي كفارة واحدة تقوم عنهما جميعا؟ وفيه قولان مخرجان من كلام الشافعي واحتج الذين لم يوجبوا عليها الكفارة بأمور.
منها: ما لا يتعلق بالحديث فلا حاجة بنا إلى ذكره.
والذي يتعلق بالحديث من استدلالهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم المرأة بوجوب الكفارة عليها مع الحاجة إلى الإعلام ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيسا أن يغدو على امرأة صاحب العسيف فإن اعترفت رجمها فلو وجبت الكفارة على المرأة لأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث أنيس.
والذين أوجبوا الكفارة أجابوا بوجوه:
أحدها: أنا لا نسلم الحاجة إلى إعلامها فإنها لم تعترف بسبب الكفارة وإقرار الرجل عليها لا يوجب عليها حكما وإنما تمس الحاجة إلى إعلامها إذا ثبت الوجوب في حقها ولم يثبت على ما بيناه.
وثانيهما: أنها قضية حال يتطرق إليها الاحتمال ولا عموم لها وهذه المرأة يجوز أن لا تكون ممن تجب عليها الكفارة بهذا الوطء إما لصغرها أو جنونها أو كفرها أو حيضها أو طهارتها من الحيض في أثناء اليوم.
واعترض على هذا بأن علم النبي صلى الله عليه وسلم بحيض امرأة أعرابي لم يعلم عسره حتى أخبره بها مستحيل وأما العذر بالصغر والجنون والكفر والطهارة من الحيض فكلها أعذار تنافي التحريم على المرأة وينفيها قوله فيما رواه: «هلكت وأهلكت» وجودة هذا الاعتراض موقوفة على صحة هذه الرواية.
وثالثها: لا نسلم عدم بيان الحكم فإن بيانه في حق الرجل بيان له في حق المرأة لاستوائهما في تحريم الفطر وانتهاك حرمة الصوم مع العلم بأن سبب أيجاب الكفارة هو داك والتنصيص على الحكم في بعض المكلفين كاف عن ذكره في حق الباقين وهذا كما أنه عليه السلام لم يذكر إيجاب الكفارة على سائر الناس غير الأعرابي لعلمهم بالاستواء في الحكم وهذا وجهه قوي.
وإنما حاولوا التعليل عليه بأن بينوا في المرأة معنى يمكن أن يظن بسببه اختلاف حكمها مع حكم الرجل بخلاف غير الأعرابي من الناس فإنه لا معنى يوجب اختلاف حكمهم مع حكمه وذلك المعنى الذي أبدوه في حق المرأة هو أن مؤن النكاح لازمة للزواج كالمهر وثمن ماء الغسيل عن جماعة فيمكن أن يكون هذا منه.
وأيضا فجعلوا الزوج في باب الوطء هو الفاعل المنسوب إليه الفعل والمرأة محل فيمكن أن يقال الحكم مضاف إلى من ينسب إليه الفعل فيقال: واطئ وومواقع ولا يقال للمرأة ذلك وليس هذان بقويين فإن المرأة يحرم عليها التمكين وتؤثم به إثم مرتكب الكبائر كما في الرجل وقد أضيف اسم الزنى إليها في كتاب الله تعالى ومدار إيجاب الكفارة على هذا المعنى.
المسألة الرابعة عشرة: دل الحديث بنصه على إيجاب التتابع في صيام الشهرين وعن بعض المتقدمين أنه خالف فيه.
المسألة الخامسة عشرة: دل الحديث على أنه لا مدخل لغير هذه الخصال في هذه الكفارة وعن بعض المتقدمين أنه أدخل البدنة فيها عند تعذر الرقبة وورد ذلك في رواية عطاء عن سعيد وقيل: أن سعيد أنكر روايته عنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
كتاب الصيام:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» باب أفضل الصيام وغيره:
» .كتاب اللباس:
» .كتاب الطهارة:
» .كتاب الجهاد:
» كتاب الجنائز:

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب الصيام:-
انتقل الى: