السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 .كتاب الجهاد:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

.كتاب الجهاد: Empty
مُساهمةموضوع: .كتاب الجهاد:   .كتاب الجهاد: I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 02, 2015 2:33 pm

1- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر, حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف», ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».
فيه دليل على استحباب القتال بعد زوال الشمس وقد ورد فيه حديث أصرح من هذا أو أثر عن بعض الصحابة.
ولما كان لقاء الموت من أشق الأشياء وأصعبها على النفوس من وجوه كثيرة وكانت الأمور المقدرة عند النفس ليست كالأمور المحققة لها: خشي أن لا تكون عند التحقيق كما ينبغي فكره تمني لقاء العدو لذلك ولما فيه- إن وقع- من احتمال المخالفة لما وعد الإنسان من نفسه ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة وقد ورد النهي عن تمني الموت مطلقا لضر نزل وفي حديث: «لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد» وفي الجهاد زيادة على مطلق الموت.
وقوله عليه السلام: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» من باب المبالغة والمجاز الحسن فإن ظل الشيء لما كان ملازما له جعل ثواب الجنة واستحقاقها عن الجهاد وإعمال السيوف لازما لذلك ن كما يلزم الظل.
وهذا الدعاء لعله أشار إلى ثلاثة أسباب تطلب بها الإباحة.
أحدها: طلب النصر بالكتاب المنزل وعليه يدل قوله عليه السلام: «منزل الكتاب» كأنه قال: كما أنزلته فانصره وأعله وأشار إلى القدرة بقوله: «ومجري السحاب» وأشار إلى أمرين أحدهما: بقوله: «وهازم الأحزاب» إلى التفرد بالفعل وتجريد التوكل واطراح الأسباب واعتقاد.
أن الله وحده هو الفاعل والثاني: التوسل بالنعمة السابقة إلى النعمة اللاحقة وقد ضمن الشعراء هذا المعنى أشعارهم بعدما أشار إليه كتاب الله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام في قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [مريم: 4] وعن إبراهيم عليه السلام في قوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم: 47].
وقال الشاعر:

كما أحسن الله فيما مضى ** كذلك يحسن فيما بقي


وقال الآخر:

لا والذي قد من بالإ ** سلام يثلج في فؤادي


ما كان يختم بالإساء ** ة وهو بالإحسان بادي
2- عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم في الجنة: خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما فيها».
الرباط: مراقبة العدو في الثغور المتاخمة لبلاده.
وفي قوله عليه السلام: «خير من الدنيا وما عليها» وجهان.
أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له وتثبيتا في النفوس فإن ملك الدنيا ونعيمها ولذاتها محسوسة مستعظمة في طباع النفوس.
فحقق عندها أن ثواب اليوم الواحد في الرباط- وهو من المغيبات- خير من المحسوسات التي عهدتموها من لذات الدنيا.
والثاني: أنه قد استبعد بعضهم أن يوازن شيء من نعيم الآخرة بالدنيا كلها فحمل الحديث أو ما في معناه على أن هذا الذي رتب عليه الثواب خير من الدنيا كلها لو أنفقت في طاعة الله تعالى وكأنه قصد بهذا أن تحصل الموازنة بين ثوابين أخرويين لاستحقاره الدنيا في مقابلة شيء من الأخرى ولو على سبيل التفضيل والأول عندي أوجه وأظهر.
والغدوة: بفتح الغين السير في الوقت الذي من أول النهار إلى الزوال والروحة: من الزوال إلى الليل واللفظ مشعر بأنها تكون فعلا واحدا ولا شك أنه قد يقع على اليسير والكثير من الفعل الواقع في هذين الوقتين ففيه زيادة ترغيب وفضل عظيم.
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انتدب الله» , ولمسلم: «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي وهو علي ضامن: أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة».
4- ولمسلم: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن جاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة».
الضمان والكفالة ههنا: عبارة عن تحقيق هذا الموعود من الله سبحانه وتعالى فإن الضمان والكفالة: مؤكدان لما يضمن ويتكفل به وتحقيق ذلك من لوازمها.
وقوله: «لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي» دليل على أنه لا يحصل هذا الثواب إلا لمن صحت نيته وخلصت من شوائب إرادة الأغراض الدنيوية فإنه ذكر بصيغة النفي والإثبات المقتضيين للحصر.
وقوله: «فهو علي ضامن» قيل: إن فاعلا هاهنا بمعنى مفعول كما قيل في ماء دافق وعيشة راضية أي مدفوق ومرضية على احتمال هاتين اللفظتين لغير ذلك.
وقد يقال إن ضامنا بمعنى ذا ضمان كلابن وتامر ويكون الضمان ليس منه وإنما نسب إليه لتعلقه به والعرب تضيف لأدنى ملابسة.
وقوله: «أرجعه» مفتوح الهمزة مكسور الجيم من رجعه ثلاثيا متعديا ولازمه ومتعديه واحد قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83].
قيل إن هذا الحديث معارض للحديث الآخر وهو قوله عليه السلام: «من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كان قد تعجلوا ثلثي أجرهم وما من غازية أو سرية تغزو فتخفق أو تصاب إلا تم لهم أجرهم» والإخفاق أن تغزو فلا تغنم شيئا ذكر القاضي معنى ما ذكرناه من المعارضة عن غير واحد.
وعندي: أنه أقرب إلى موافقته منه إلى معارضته ويبعد جدا أن يقال بتعارضهما نعم كلاهما مشكل أما ذلك الحديث فلتصريحه بنقصان الأجر بسبب الغنيمة وأما هذا فلأن أو تقتضي أحد الشيئين لا مجموعها فيقتضي إما حصول الأجر أو الغنيمة وقد قالوا: لا.
يصح أن تنقص الغنيمة من أجر أهل بدر وكانوا أفضل المجاهدين وأفضلهم غنيمة ويؤكد هذا تتابع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده على أخذ الغنيمة وعدم التوقف عنها.
وقد اختلفوا بسبب هذا الإشكال في الجواب فمنهم من جنح إلى الطعن في ذلك الحديث وقال: إنه لا يصح وزعم أن بعض رواته ليس بمشهور وهذا ضعيف لأن مسلما أخرجه في كتابه ومنهم من قال: إن هذا الذي تعجل من أجره بالغنيمة في غنيمة أخذت على غير وجهها قال بعضهم وهذا بعيد لا يحتمله الحديث وقيل إن هذا الحديث أعني الذي نحن في شرحه شرط فيه ما يقتضي الإخلاص والحديث الذي في نقصان الأجر يحمل على من قصد مع الجهاد طلب المغنم فهذا شرك بما يجوز له التشريك فيه وانقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره والأول أخلص فكمل أجره.
قال القاضي: وأوجه من هذا عندي في استعمال الحديثين على وجهيهما أيضا إن نقص أجر الغانم بما فتح الله عز وجل عليه من الدنيا وحساب ذلك بتمتعه عليه في الدنيا وذهاب شظف عيشه في غزوه وبعده إذا قوبل بمن أخفق ولن يصب منها شيئا وبقي على شظف عيشه والصبر على غزواه في حاله وجد أجر هذا أبدا في ذلك وافيا مطردا بخلاف الأول ومثله في الحديث الآخر: «فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها».
وأقول أن التعارض بين الحديثين فقد نبهنا على بعده فأما الإشكال في الحديث الثاني فظاهره الجار على القياس لأن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات لاسيما ما كان أجره بحسب مشقته أو لمشقته دخل في الأجر وإنما يشكل عليه العمل المتصل بأخذ الغنائم فلعل هذا من باب تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض فإن ذلك الزمن كان الإسلام فيه غريبا أعني ابتداء زمن النبوة وكان أخذ الغنائم عونا على علو الدين وقوة المسلمين وضعفاء المهاجرين وهذه مصلحة عظمى قد يغتفر بعض النقص في الأجر من حيث هو هو.
وأما ما قيل في أهل بدر فقد يفهم منه أن النقصان بالنسبة إلى الغير وليس ينبغي أن يكون كذلك بل ينبغي أن يكون التقابل بين كمال أجر الغازي نفسه إذا لم يغنم وأجره إذا غنم فيقتضي هذا أن يكون حالهم عند عدم الغنيمة أفضل من حالهم عند وجودها لا من حال غيرهم وإن كان أفضل من حال غيرهم قطعا فمن وجه آخر لكن لابد من هذا من اعتبار المعارض الذي ذكرناه فلعله مع اعتباره لا يكون ناقصا ويستثنى حاله من العموم الذي في الحديث الثاني أو حال من يقاربهم في المعنى.
وأما هذا الحديث الذي نحن فيه فإشكاله من كلمة (أو) أقوى من ذلك الحديث فإنه قد يشعر بأن الحاصل إما أجر وإما غنيمة فيقتضي أنه إذا حصلنا الغنيمة يكتفى بها له وليس كذلك.
وقيل في الجواب عن هذا بأن أو بمعنى الواو وكأنه التقدير بأجر وغنيمة وهذا وإن كان فيه ضعف من جهة العربية ففيه إشكال من حيث إنه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين كان ذلك داخلا في الضمان فيقتضي أنه لابد من حصول أمرين لهذا المجاهد إذا رجع مع رجوعه وقد لا يتفق ذلك بأن يتلف ما حصل في الرجوع من الغنيمة اللهم إلا أن يتجاوز في لفظة الرجوع إلى الأهل أو يقال: المعية في مطلق الحصول لا في الحصول في الرجوع.
ومنهم من أجاب بأن التقدير أو أرجعه إلى أهله مع من نال من أجره وحده أو غنيمة وأجر فحذف الأجر من الثاني وهذا لا بأس به لأن المقابلة إنما تشكل إذا كانت بين مطلق الأجر وبين الغنيمة مع الأجر وأما مع الأجر المفيد بانفراده عن الغنيمة فلا.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون الدم والريح ريح المسك».
الكلم: الجرح ومجيئه يوم القيامة مع سيلان الجرح فيه أمران.
أحدهما: الشهادة على ظلمه بالقتل الثاني: إظهار شرفه لأهل المشهد الموقف بما فيه من رائحة المسك الشاهدة بالطيب وقد ذكروا في الاستنباط من هذا الحديث أشياء متكلفة غير صابرة على التحقيق.
منها: أن المراعى في الماء تغير لونه دون تغير رائحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا الخارج من جرح الشهيد دما وإن كان ريحه ريح المسك ولم يكن مسكا فغلب الاسم لونه على رائحته فكذلك الماء ما لم يتغير طعمه لم يلتفت إلى تغير رائحته وفي هذا نظر يحتاج إلى تأمل.
ومنها ما ترجم البخاري فيما يقع من النجاسات في الماء والسمن قال القاضي: وقد يحتمل أن حجته فيها الرخصة في الرائحة كما تقدم أو التغليظ بعكس الاستدلال الأول فإن الدم لما انتقل لطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة ومن حكم القذارة إلى التطييب بتغير رائحته وحكم له بحكم المسك والطيب للشهيد فكذلك الماء ينتقل إلى العكس بخبث الرائحة وتغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة.
ومنها: ما قال القاضي: ويحتج بهذا الحديث أبو حنيفة في جواز استعمال الماء المضاف المتغيرة أوصافه بإطلاق اسم الماء عليه كما انطلق على هذا اسم الدم وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب قال: وحجته بذلك ضعيفة وأقول: الكل ضعيف.
6- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت» أخرجه مسلم.
7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» أخرجه البخاري.
قد تقدم الكلام على هذا المعنى في حديث مضى.

8- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وذكر قصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» قالها ثلاثا.
الشافعي يرى استحقاق القاتل للسلب حكما شرعيا بأوصاف مذكورة في كتب الفقه ومالك وغيره يرى أنه لا يستحقه بالشرع وإنما يستحقه بصرف الإمام إليه نظرا وهذا يتعلق بقاعدة وهو أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في أمثال هذا إذا ترددت بين التشريع والحكم الذي يتصرف به ولاة الأمور هل يحمل على التشريع أو على الثاني؟ والأغلب حمله على التشريع إلا أن مذهب مالك في هذه المسألة فيه قوة لأن قوله عليه السلام: «من قتل قتيلا فله سلبه» يحتمل ما ذكرناه من الأمرين أعني التشريع العام وإعطاء القاتلين في ذلك الوقت السلب تنفيلا فإن حمل على الثاني فظاهر وإن ظهر حمله على الأغلب وهو التشريع العام فقد جاءت أمور في أحاديث ترجح الخروج عن هذا الظاهر مثل قوله عليه السلام- بعدما أمر أن يعطى السالب قاتلا فقابل هذا القاتل خالد بن الوليد بكلام- قال النبي صلى الله عليه وسلم بعده: «لا تعطه يا خالد» فلو كان مستحقا له بأصل التشريع لم يمنعه منه بسبب كلامه لخالد فدل على أنه كان على وجهة النظر فلما كلم خالدا بما يؤذيه استحق العقوبة بمنعه نظرا إلى غير ذلك من الدلائل.
9- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلبوه واقتلوه», فقتلته فنفلني سلبه.
وفي رواية: فقال: «من قتل الرجل؟», فقالوا: ابن الأكوع, فقال: «له سلبه أجمع».
فيه تعلق بمسألة الجاسوس الحربي وجواز قتله ومن يشبهه ممن لا أمان له.
وأما كلامهم هاهنا عن الجاسوس الذمي والمسلم فلا تعلق للحديث به.
وفيه أيضا تعلق بمسألة السلب وقد تمسك به من يراه غير واجب بأصل الشرع بل بتنفيل الإمام لقوله: «فنفلنيه», وفي هذا ضعف ما.
وفيه دليل إذا قلنا بأن السلب للقاتل أنه يستحق جميعه نعم إنما يدل على ما يسمى سلبا والفقهاء ذكروا صورا فيما يستحقه القاتل وترددوا في بعضها فإن كان اسم السلب منطلقا على كل ما معه فقد يستدل به فيما اختلف فيه من بعض الصور.
10- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها فأصبنا إبلا وغنما فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا.
فيه دليل على بعث السرايا في الجهاد وقد يستدل به على أن المنقطع منها عن جيش الإمام ينفرد بما يغنمه من حيث إنه يقتضي أن السهمان كانت لهم ولا يقتضي أن غيرهم شاركهم فيها وإنما قالوا بمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منه يلحقهم عونه وغوثه إن احتاجوا.
وقوله: (ونفلنا) النفل في الأصل: هو العطية غير اللازمة وذكر بعض أهل اللغة: أن الأنفال الغنائم وأطلقه الفقهاء على ما يجعله الإمام لبعض الغزاة لأجل الترغيب وتحصيل مصلحة أو عوض منها.
واختلف مذاهبهم في محله فمنهم من جعله من رأس الغنيمة ومنهم من جعله من الخمس وهو مذهب مالك واستحب بعضهم من خمس الخمس والذي يقرب من لفظ هذا الحديث أن هذا التنفيل كان من الخمس لأنه أضاف الإثني عشر إلى سهمانهم فقد يقال: إنه إشارة إلى ما تقرر لهم استحقاقه وهو أربعة الأخماس الموزعة عليهم فيبقى النفل من الخمس واللفظ محتمل لغير ذلك احتمالا قريبا وإن استبعد بعضهم أن يكون هذا النفل إلا من الخمس من جهة اللفظ فليس بالواضح الكثير وقد قيل: إنه تبين كون هذا النفل من الخمس من مواضع أخر.
11- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عز وجل الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان».
فيه تعظيم الغدرة وذلك في الحروب كل اغتيال ممنوع شرعا: إما لتقدم أمان أو ما يشبهه أو لوجوب تقدم الدعوة حيث تجب أو يقال بوجوبها.
وقد يراد بهذا الغدر ما هو أعم من أمر الحروب وهو ظاهر اللفظ وإن كان بين المشهور بين جماعة من المصنفين وضعه في معنى الحرب وقد عوقب الغادر بالفضيحة العظمى وقد يكون ذلك من باب مقابلة الذنب بما يناسب ضده في العقوبة فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الاشهاد.
وفي اللفظ المروي هاهنا ما يدل على شهرة الناس والتعريف بهم في القيامة بالنسبة إلى آبائهم خلاف ما حكي أن الناس يدعون في القيامة بالنسبة إلى أمهاتهم.
12- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان).
هذا حكم مشهور متفق عليه فيمن لا يقاتل ويحمل هذا الحديث على ذلك لغلبة عدم القتال على النساء والصبيان.
ولعل سر هذا الحكم أن الأصل عدم إتلاف النفوس وإنما أبيح منه ما يقتضيه دفع المفسدة ومن لا يقاتل ولا يتأهل للقتال في العادة ليس في إحداث الضرر كالمقاتلين فرجع إلى الأصل فيهم وهو المنع هذا مع ما في نفوس النساء والصبيان من الميل وعدم التشبث الشديد بما يكونون عليه كثيرا أو غالبا فرفع عنهم القتل لعدم مفسدة المقاتلة في الحال الحاضر ورجاء هدايتهم عند بقائهم.
13- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قميص الحرير ورأيته عليهما).
أجازوا للمحارب لبس الديباج الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح وهذا الحديث يدل على جوازه لأجل هذه المصلحة المذكورة فيه ولعله تعين لذلك في دفعهما في ذلك الوقت وقد سماه الراوي رخصة لأجل الإباحة مع قيام دليل الخطر.
14- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل).
قوله كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله يحتمل وجهين.
أحدهما أن يراد بذلك أنها كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لا حق فيها لأحد من المسلمين ويكون إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يخرجه منها لغير أهله ونفسه تبرعا منه صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن يكون ذلك مما يشترك فيه هو وغيره صلى الله عليه وسلم ويكون ما يخرجه منها لغيره من تعيين المصرف وإخراج المستحق وكذلك ما يأخذه صلى الله عليه وسلم لأهله من باب أخذ النصيب المستحق من المال المشترك في المصرف ولا يمنع ذلك قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] لأن هذه اللفظة قد وردت مع الاشتراك قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] الآية فأطلق على كونه إفاءة على رسوله مع الاشتراك في المصرف.
وفي الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة.
وفي لفظه: ما يوجه الجمع بينه وبين الحديث الآخر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد».
فيحمل هذا على الادخار لنفسه وفي الحديث الذي نحن في شرحه على الادخار لأهله على أنه لا يكاد يحصل شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشاركا لأهله فيما يدخره من القوت ولكن يكون المعنى أنهم المقصودون بالادخار الذي اقتضاه حالهم حتى لو لم يكونوا لم يدخر.
وفيه دليل على تقديم مصلحة الكراع والسلاح على غيرهما لاسيما في مثل ذلك الزمان والمتكلمون على لسان الطريقة قد جعلوا- أو بعضهم ما زاد على السنة خارجا عن طريقة التوكل.
15- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أجرى النبي صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى).
قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع: خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
هذا الحديث أصل في جواز المسابقة بالخيل وبيان الغاية التي يسابق إليها وفيه إطلاق الفعل على الأمر به والمسوغ له وأما المسابقة على غير الخيل والشروط التي اشترطت في هذا العقد: فليست من متعلقات هذا الحديث وكذلك أيضا لا يدل هذا الحديث على أمر العوض وأحكامه فإنه لم يصرح فيه.
والإضمار ضد التسمين وهو تدريج لها في أقواتها إلى أن يحصل لها الضمر والحفياء بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ثم ياء آخر الحروف وألف ممدودة وثنية الوداع مكانان معلومان وزريق بالزاي المعجمة قبل الراء المهملة.
16- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني).
اختلف الناس في المدة التي إذا بلغها الإنسان ولم يحتلم حكم ببلوغه فقيل: سبع عشرة وقيل: ثمان عشرة وقيل: خمس عشرة وهذا مذهب الشافعي وقد استدل له بهذا الحديث وهو إجازة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر في القتال بخمس عشرة سنة وعدم إجازته له فيما دونها ونقل عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه لما بلغه هذا الحديث جعله حدا فكان يجعل من دون الخمس عشرة في الذرية.
والمخالفون لهذا الحديث اعتذروا عن هذا الحديث بأن الإجازة في القتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه وأن إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقا للقتال ولم يكن مطيقا له قبلها لا لأنه أدار الحكم على البلوغ وعدمه.
17- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل: للفرس سهمين وللرجل سهم.
النفل: بتحريك الفاء والنون معا: يطلق ويراد به الغنيمة وعليه حمل قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] ويطلق على ما ينفله الإمام لسرية أو لبعض الغزاة خارجا عن السهمان المقسومة إما من أصل الغنيمة أو من الخمس على الاختلاف بين الناس في ذلك ومنه حديث نافع عن ابن عمر في سرية نجد: (و إن سهمانهم كان عشر أو أحد عشر بعيرا ونقلوا بعيرا بعيرا) ومذهب مالك والشافعي أن للفارس ثلاثة أسهم ومذهب أبي حنيفة أن للفارس سهمين.
وهذا الحديث الذي ذكره المصنف متعرض للتأويل من وجهين:
أحدهما: أيحمل النفل على المعنى الذي ذكرناه فيكون المعطى زيادة على السهمين خارجا عنها.
والثاني: أن تكون اللام في قوله: (للفرس سهمين) اللام التي للتعليل لا اللام التي للملك أو الاختصاص أي أعطى الرجل سهمان لأجل فرسه أي لأجل كونه ذا فرس وللرجل سهما مطلقا.
وقد أجيب عن هذا ببيان المراد في رواية أخرى صريحة وهي رواية أبي معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه) فقوله أسهم استدلال به على أنه ليس بخارج عن السهمين وقوله ثلاثة أسهم صريح في العدد المخصوص وهذا الحديث الذي ذكرناه من رواية أبي معاوية عن عبيد الله صحيح الإسناد إلا أنه قد اختلف فيه على عبيد الله بن عمر ففي رواية بعضهم عنه: (للفرس سهمين وللرجل سهما) وقيل: إنه وهم فيه أي هذا الراوي.
وهذا الحديث أعني رواية أبي معاوية وما في معناها له عضد م غيره ومعارض له لا يساويه في الإسناد.
أما العاضد فرواية المسعودي حدثني أبو عمرة عن أبيه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى للفرس سهمين) هذه رواية عبيد الله بن يزيد عن المسعودي عند أبي داود وعنده من رواية أمية بن خالد المسعودي عن أبي خلف بن عمرو عن أبي عمرة قال أبو داود: بمعناه إلا أنه قال ثلاثة نفر زاد وكان للفارس ثلاثة أسهم وهذا اختلاف في الإسناد.
وأما المعارض فمنه ما روى عبد الله بن عمر وهو أخو عبيد الله الذي قدمنا ذكره عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم يوم خيبر للفارس سهمين وللرجال سهما قال الشافعي: وليس يشك أحد من أهل العلم في تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه في الحفظ وقال في القديم: فإنه سمع نافعا يقول للفرس سهمين وللرجل سهما فقال: للفرس سهمين وللرجل سهما.
قلت: وعبيد الله وعبد الله هذان هما ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
وما ذكره الشافعي من تقدمة عبيد الله بن عمر على أخيه عند أهل العلم فهو كذلك ولكن في حديث مجمع بن جارية ما يعضده ويوافقه وهو حديث رواه أبو داود من حديث مجمع بن يعقوب بن مجمع عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن قال: شهدت الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قال: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا مع الناس نوجف فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] فقال رجل: يا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم, والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» فقسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيه ثلاثة مائة فارس فأعطى للفارس سهمين وأعطى للرجال سهما رواه أبو داود عن محمد بن عيسى عن مجمع وهذا يوافق رواية عبد الله بن عمر في قسم خيبر إلا أن الشافعي قال في مجمع بن يعقوب أنه شيخ لا يعرف فقال: فأخذنا في ذلك بحديث عبيد الله ولم نر له خبرا مثله يعارضه ولا يجوز خبر إلا بخبر مثله.
18- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث في السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش.
هذا هو التنفيل بالمعنى الثاني الذي ذكرناه في معنى النفل وهو أن يعطي الإمام لسرية أو لبعض أهل الجيش خارجا عن السهمين والحديث مصرح بأنه خارج عن قسم عامة الجيش إلا أنه ليس مبينا لكونه من رأس الغنيمة أو من الخمس فإن اللفظ محتمل لها جميعا والناس مختلفون في ذلك ففي رواية مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس وهذا مرسل وروى محمد بن إسحاق عن نافع ابن عمر قال: بعث رسول الله سرية إلى نجد فخرجت معها فأصبنا نعما كثيرة فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله.
وهذا يدل على أن التنفيل من رأس الغنيمة وروى زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة وهذا أيضا يدل على أن التنفيل.
من أصل الغنيمة ظاهرا مع احتماله لغيره وروى في حديث حبيب هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل» وهذا يحتمل أن يكون المراد منه ينفل بعد إخراج الخمس أي ينفله من أربعة أخماس ما يأتون به ردء الغنيمة إلى موضع في البدأة او في الرجعة وهذا ظاهر وترجم أبو داود عليه باب فيمن قال: الخمس قبل النفل وأبدى بعضهم فيه احتمالا آخرا وهو أن يكون قوله بعد الخمس أي بعد أن ينفرد الخمس فعلى هذا يبقى محتملا لأن ينفل ذلك من الخمس أو من غير الخمس فيحمله على أن ينفل من الخمس احتمالا وحديث ابن إسحاق صريح أو كالصريح.
وللحديث تعلق بمسائل الإخلاص في الأعمال وما يضر من المقاصد الداخلة وما لا يضر وهو موضع دقيق المأخذ ووجه تعلقه به أن التنفيل للترغيب في زيادة العمل والمخاطرة والمجاهدة وفي ذلك مداخله لقصد الجهاد لله تعالى إلا أن ذلك لم يضرهم قطعا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ففي ذلك دلالة لا شك فيها على أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا يقدح من الإخلاص وإنما الإشكال في ضبط قانونها وتمييز ما يضر مداخلته من المقاصد ويقتضي الشركة فيه المنافاة للإخلاص وما لا تقتضيه ويكون تبعا لا له ويتفرع عنه غير ما مسألة.
وفي الحديث دلالة على أن لنظر الإمام مدخلا في المصالح المتعلقة في المال أصلا وتقديرا على حسب المصلحة على ما اقتضاه حديث حبيب بن مسلمة في الربع والثلث فإن الرجعة لما كانت أشق على الراجعين واشد لخوفهم لأن العدو قد كان نذر بهم لقربهم فهو على يقظة من أمرهم اقتضى زيادة التنفيل والبدأة لما لم يكن فيها هذا المعنى اقتضى نقصه ونظر الإمام متقيد بالمصلحة لا على أن يكون بحسب التشهي حيث يقال: إن النظر للإمام إنما يعني هذا أعني أن يفعل ما تقتضيه المصلحة لا أن يفعل على حسب التشهي.
19- عن أبي موسى عبد الله بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
حمل السلاح: يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السلام: «علينا» ويحتمل أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم قتال المسلمين وتغليظ الأمر فيه.
وقوله: «فليس منا» قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين لأنه إذا حمل: «علينا» على أن المراد به المسلمون كان قوله: «فليس منا» كذلك وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا إلى تأويله كقوله عليه السلام: «من غشنا فليس منا» وقيل فيه: ليس مثلنا أو ليس على طريقتنا أو ما يشبه ذلك فإذا كان الظاهر كما ذكرناه ودل الدليل علة عدم الخروج عن الإسلام بذلك اضطررنا إلى التأويل.
20- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
في الحديث دليل على وجوب الإخلاص في الجهاد وتصريح بأن القتال للشجاعة والحمية والرياء خارج عن ذلك.
فأما الرياء: فهو ضد الإخلاص بذاته لاستحالة اجتماعهما- أعني أن يكون القتال لأجل الله تعالى ويكون بعينه لأجل الناس.
وأما القتال للشجاعة فيحتمل وجوها: أحدها: أن يكون التعليل داخلا في قصد المقاتل أي قاتل لأجل إظهار الشجاعة فيكون فيه حذف مضاف وهذا لا شك في منافاته للإخلاص وثانيها: أن يكون ذلك تعليلا لقتاله من غير دخول له في القصد بالقتال كما يقال: أعطى لكرمه ومنع لبخله وآذى لسوء خلقه وهذا بمجرده من حيث هو هو لا يجوز أن يكون مرادا بالسؤال ولا الذم فإن الشجاع المجاهد في سبيل الله إنما فعل ما فعل لأنه شجاع غير أنه ليس يقصد به إظهار الشجاعة ولا قصد إظهار الشجاعة في التعليل وثالثها: أن يكون المراد بقولنا: قاتل للشجاعة: أنه يقاتل لكونه شجاعا فقط وهذا غير المعنى الذي قبله لأن الأحوال ثلاثة: حال يقصد بها إظهار الشجاعة وحال يقصد بها إعلاء كلمة الله تعالى وحال يقاتل فيها لأنه شجاع إلا أنه لم يقصد إعلاء كلمة الله تعالى ولا إظهار الشجاعة عنه وهذا يمكن فإن الشجاع الذي تداهمه الحرب وكانت طبيعته المسارعة إلى القتال يبدأ بالقتال لطبيعته وقد لا يستحضر أحد الأمرين- أعني أنه لغير الله تعالى أو لإعلاء كلمة الله تعالى.
ويوضح الفرق بينهما أيضا: أن المعنى الثاني لا ينافيه وجود قصد فإنه يقال: قاتل إعلاء كلمة الله تعالى لأنه شجاع وقاتل للرياء لأنه شجاع فإن الجبن مناف للقتال مع كل قصديفرض وأما المعنى الثالث: فإنه ينافيه القصد لأنه أخذ فيه القتال للشجاعة بقيد التجرد عن غيرها ومفهوم الحديث أنه في سبيل الله تعالى إذا قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وليس في سبيل الله إذا لم يقاتل لذلك.
فعلى الوجه الأول: تكون فائدته بيان أن القتال لهذه الأغراض مانع وعلى الوجه الأخير تكون فائدته: إن القتال لأجل إعلاء كلمة الله تعالى شرط وقد بينا الفرق بين المعنيين وقد ذكرنا أن مفهوم الحديث الاشتراط لكن إذا قلنا بذلك فلا ينبغي أن نضيق فيه بحيث تشترط مقارنته لساعة شروعه في القتال بل بالخروج إليه لإعلاء كلمة الله تعالى ويشهد لهذا الحديث الصحيح في أنه يكتب للمجاهد استنان فرسه وشربها في النهر من غير قصد لذلك لما كان القصد الأول من الجهاد واقعا لم يشترط أن يكون ذلك في الجزئيات ولا يبعد أن يكون بينهما فرق إلا أن الأقرب عندنا ما ذكرناه من أنه لا يشترط اقتران القصد بأول الفعل المخصوص بعد أن يكون القصد صحيحا في الجهاد إعلاء كلمة الله تعالى دفعا للحرج والمشقة فإن حالة الفزع حالة دهش وقد تأتي على غفلة فالتزام حضور الخواطر في ذلك الوقت حرج ومشقة.
ثم إن الحديث يدل على أن المجاهد في سبيل الله مؤمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا والمجاهد لطلب ثواب الله تعالى والنعيم المقيم مجاهد في سبيل الله ويشهد له فعل الصحابة وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» فألقى الثمرات التي كن في يده وقاتل حتى قتل وظاهر هذا أنه قاتل لثواب الجنة والشريعة كلها طافحة بان الأعمال لأجل الجنة أعمال صحيحة غير معلولة لأن الله تعالى ذكر صفة الجنة وما أعد فيها للعاملين ترغيبا للناس في العمل ومحال أن يرغبهم للعمل للثواب ويكون ذلك معلولا مدخولا اللهم إلا أن يدعى أن غير هذا المقام أعلى منه فهذا قد يتسامح فيه وأما أن يكون علة في العمل فلا.
فإذا ثبت هذا وأن المقاتل لثواب الله وللجنة مقاتل في سبيل الله تعالى فالواجب أن يقال:
أحد الأمرين إما أن يضاف إلى هذا لامقصود- أعني القتال إعلاء كلمة الله تعالى- ما هو مثله أو ما يلازمه كالقتال لثواب الله تعالى وإما أن يقال: إن المقصود بالكلام وسياقه بيان أن هذه المقاصد منافية للقتال في سبيل الله فإن السؤال إنما وقع عن القتال لهذه المقاصد وطلب بيان أنها في سبيل الله فإن السؤال إنما وقع عن القتال لهذه المقاصد وطلب بيان أنها في سبيل الله أم لا؟ فخرج الجواب عن قصد السؤال بعد بيان منافاة هذه المقاصد للجهاد في سبيل الله هو بيان أن هذا القتال إعلاء كلمة الله تعالى هو قتال في سبيل الله لا على أن سبيل الله للحصر وأن لا يكون غيره في سبيل الله مما لا ينافي الإخلاص كالقتال لطلب الثواب والله أعلم.
وأما القتال حمية فالحمية من فعل القلوب فلا يقتضي ذلك إلا أن يكون مقصود الفاعل إما مطلقا وإما في مراد الحديث ودلالة السياق وحينئذ يكون قادحا في سبيل الله تعالى إما لانصرافه إلى هذا الفرض وخروجه عن القتال إعلاء كلمة الله تعالى وإما لمشاركته المشاركة القادحة في الإخلاص ومعلوم أن المراد بالحمية الحمية لغير دين الله وبهذا يظهر لك ضعف الظاهرية في مواضع كثيرة ويتبين أن الكلام يستدل على المراد منه بقرائنه وسياقه ودلالة الدليل الخارج عن المراد منه وغير ذلك.
فإن قلت: فإذا حلت قوله قاتل للشجاعة أي إظهار الشجاعة فما لفائدة بعد ذلك في قولهم: يقاتل رياء.
قلت: يحتمل أن يراد بالرياء إظهار قصده للرغبة في ثواب الله تعالى والمسارعة للقربات وبذل النفس في مرضاة الله تعالى والمقاتل إظهار الشجاعة مقاتل لغرض دنيوي وهو تحصيل المحمدة والثناء من الناس عليه بالشجاعة والمقصدان مختلفان ألا ترى أن العرب في جاهليتها كانت تقاتل للحمية وإظهار الشجاعة ولم يكن لها قصد في المراءاة بإظهار الرغبة في ثواب الله تعالى والدار الآخرة؟ فافترق القصدان.
وكذلك أيضا القتال للحمية مخالف للقتال شجاعة والقتال للرياء لأن الأول يقاتل لطلب المحمدة بخلق الشجاعة وصفتها وإنها قائمة بالمقاتل وسجية له والقتال للحمية قد لا يكون كذلك وقد يقاتل الجبان حمية لقومه أو لحريمه مكره أخاك لا بطل والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
.كتاب الجهاد:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: .كتاب الجهاد:-
انتقل الى: