السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الأيمان والنذور:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

كتاب الأيمان والنذور: Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الأيمان والنذور:   كتاب الأيمان والنذور: I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 02, 2015 1:59 pm


.مدخل:

1- عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير».
فيه مسائل:
المسألة الأولى: ظاهره يقتضي كراهية سؤال الإمارة مطلقا والفقهاء تصرفوا فيه بالقواعد الكلية فمن كان متعينا للولاية وجب عليه قبولها إن عرضت عليه وطلبها إن لم تعرض لأنه فرض كفاية لا يتأدى إلا به فيتعين عليه القيام به وكذا إذا لم يتعين وكان أفضل من غيره ومنعنا ولاية الفضول مع وجد الأفضل وإن كان غيره أفضل منه ولم نمنع تولية المفضول مع وجود الفاضل: فههنا يكره له أن يدخل في الولاية وأن يسألها وحرم بعضهم الطلب وكره للإمام أن يوليه وقال: إن ولاه انعقدت ولايته وقد استخطئ فيما قال ومن الفقهاء من أطلق القول بكراهية القضاء لأحاديث وردت فيه.
المسألة الثانية: لما كان خطر الولاية عظيما بسبب أمور في الوالي وبسبب أمور خارجة عنه: كان طلبها تكلفا ودخولا في غرر عظيم فهو جدير بعدم العون ولما كانت إذا أتت من غير مسألة لم يكن فيها هذا التكلف: كانت جديرة بالعون على أعبائها وأثقالها.
وفي الحديث: إشارة إلى ألطاف الله تعالى بالعبد بالإعانة على إصابة الصواب في فعله وقوله تفضلا زائدا على مجرد التكليف والهداية إلى النجدين هي مسألة أصولية كثر فيها الكلام في فنها والذي يحتاج إليه في الحديث: ما أشرنا إليه الآن.
المسألة الثالثة: للحديث تعلق بالتكفير قبل الحنث ومن يقول بجوازه قد يتعلق بالبداءة بقوله عليه السلام: «فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير» وهذا ضعيف لأن الواو لا تقتضي الترتيب, والمعطوف عليه بها كالجملة الواحدة وليس بجيد طريقة من يقول في مثل هذا: إن الفاء تقضي الترتيب والتعقيب فيقتضي ذلك: أن يكون التكفير مستعقبا لروية الخير في الحنث فإذا استعقبه التكفير: تأخر الحنث ضرورة وإنما قلنا إنه ليس بجيد لما بيناه من حكم الواو فلا فرق بين قولنا فكفر وائت الذي هو خير وبين قولنا فاعل هذين ولو قال كذلك لم يقتض ترتيبا ولا تقديما فكذلك إذا أتى بالواو.
وهذه الطريقة التي أشرنا إليها ذكرها بعض الفقهاء في اشتراط الترتيب في الوضوء وقال: إن الآية تقتضي تقديم غسل الوجه بسبب الفاء وإذا وجب تقديم غسل الوجه وجب الترتيب في بقية الأعضاء اتفاقا وهو ضعيف لما بيناه.
المسألة الرابعة: يقتضي الحديث: تأخير مصلحة الوفاء بمقتضى اليمين إذا كان غيره خيرا بنصه وأما مفهومه: فقد يشير بأن الوفاء بمقتضى اليمين عند عدم رؤية الخير في غيرها مطلوب وقد تنازع المفسرون في معنى قوله تعلى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} [البقرة: 224] وحمله بعضهم على ما دل عليه الحديث ويكون معنى عرضة أي مانعا وأن تبروا بتقدير: ما أن تبروا.
2- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها».
في هذا الحديث: تقديم ما يقتضي الحنث في اللفظ على الكفارة إن كان معنى قوله عليه السلام وتحللتها التكفير عنها ويحتمل أن يكون معناه: إتيان ما يقتضي الحنث فإن التحلل نقيض العقد والعقد: هو ما دلت عليه اليمين من موافقة مقتضاها فيكون التحلل: الإتيان بخلاف مقتضاها.
فإن قلت: فيكفي عن هذا قوله: «أتيت الذي هو خير منها» فإنه بإتيانه إياه تحصل مخالفة اليمين والتحلل منها فلا يفيد قوله عليه السلام حينئذ «وتحللت» فائدة زائدة على ما في قوله: «أتيت الذي هو خير منها».
قلت: فيه فائدة التصريح والتنصيص على كون ما فعله محللا والإتيان به بلفظه يناسب الجواز والحل صريحا فإذا صرح بذلك كان أبلغ مما إذا أتى به على سبيل الاستلزام.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الحكم المذكور باليمين بالله تعالى وهو يقتضي المبالغة في ترجيح الحنث على الوفاء عند هذه الحالة.
وهذا الخير الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أمر يرجع إلى مصالح الحنث المتعلقة بالمفعول المحلوف على تركه مثلا.
وهذا الحديث له سبب مذكور في غير هذا الموضع وهو: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن يحملهم ثم حملهم».
3- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم».
ولمسلم: «فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
وفي رواية قال عمر: «فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكرا ولا آثرا».
يعني: حاكيا عن غيري: أنه حلف بها.
الحديث: دليل على المنع من الحلف بغير الله تعالى واليمين منعقد عند الفقهاء باسم الذات وبالصفات العلية وأما اليمين بغير ذلك: فهو ممنوع واختلفوا في هذا المنع هل هو على التحريم أو على الكراهة؟ والخلاف موجود عند المالكية فالأقسام ثلاثة.
الأول: ما يباح به اليمين وهو ما ذكرناه من أسماء الذات والصفات.
والثاني: ما تحرم اليمين به بالاتفاق كالأنصاب والأزلام واللات والعزى فإن قصد تعظيمها فهو كفر كذا قال بعض المالكية معلقا للقول فيه حيث يقول فإن قصد تعظيمها فكفر وإلا فحرام القسم بالشيء تعظيم له وسيأتي حديث يدل إطلاقه على الكفر لمن حلف ببعض ذلك وما يشبهه ويمكن إجراؤه على ظاهره لدلالة اليمين بالشيء على التعظيم له.
الثالث: ما يختلف فيه بالتحريم والكراهة وهو ما عدا ذلك مما يقتضي تعظيمه كفرا.
وفي قول عمر رضي الله عنه ذاكرا ولا آثرا مبالغة في الاحتياط وأن لا يجري على اللسان ما صورته صورة الممنوع شرعا.
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل فطاف بهن فلم تلد منهم إلا امرأة واحدة: نصف إنسان», قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قال إن شاء الله: لم يحنث وكان دركا لحاجته».
قوله: «قيل له: قل إن شاء الله» يعني قال له الملك.
فيه دليل: على أن اتباع اليمن بالله بالمشيئة: يرفع حكم اليمين لقوله عليه السلام لم يحنث وفيه نظر وهذا ينقسم إلى ثلاثة أوجه.
أحدها: أنها ترد المشيئة إلى الفعل المحلوف عليه كقوله مثلا لأدخلن الدار إن شاء الله وأراد: رد المشيئة إلى الدخول أي إن شاء الله دخولها وهذا هو الذي ينفعه الاستثناء بالمشيئة ولا يحنث إن لم يفعل.
الثاني: أن يرد الاستثناء بالمشيئة إلى نفس اليمين فلا ينفعه الرجوع لوقوع اليمين وتيقن مشيئة الله.
والثالث: أن يذكر على سبيل الأدب في تفويض الأمر إلى مشيئة الله وامتثالا لقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 ,24] لا على قصد معنى التعليق وهذا لا يرفع حكم اليمين.
ولا تعلق للحديث بتعليق الطلاق بالمشيئة والفقهاء مختلفون فيه ومالك يفرق بين الطلاق واليمين بالله ويوقع الطلاق وإن علق بالمشيئة بخلاف اليمين بالله لأن الطلاق حكم قد شاءه الله وهو مشكل جدا تركنا التعرض لتقريره لعدم تعلقه بالحديث.
وقد يؤخذ من هذا الحديث أن الكناية في اليمين مع النية كالصريح في حكم اليمين من حيث إن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حكاه عن سليمان عليه السلام وهو قوله: «لأطوفن» ليس فيه التصريح باسم الله تعالى لكنه مقدر لأجل اللام التي دخلت على قوله: «لأطوفن» فإن كان قد قيل بذلك وأن اليمين تلزم بمثل هذا فالحديث حجة لمن قاله وإن لم يكن فيحتاج إلى تأويله وتقدير اللفظ باسم الله تعالى صريحا في المحكي وإن كان ساقطا في الحكاية وهذا ليس بممتنع في الحكاية فإن من قال والله لأطوفن فقد قال لأطوفن فإن اللافظ بالمركب لافظ بالمفرد.
وقوله: «وكان دركا لحاجته» يراد به: أنه كان يحصل ما أراد.
وقد يؤخذ من الحديث جواز الإخبار عن وقوع الشيء المستقبل بناء على الظن فإن هذا الإخبار أعني قول سليمان عليه السلام: «تلد كل امرأة منهن غلاما» لا يجوز أن يكون عن وحي وإلا لوجب وقوع مخبره وأجاز الفقهاء الشافعية اليمين على الظن في الماضي وقالوا: يجوز أن يحلف على خط أبيه وذكر بعضهم أضعف من هذا وأجاز الحلف في صورة بناء على قرينة ضعيفة.
وأما بعض المالكية فإنه دل لفظه على احتمال في هذا الجواز وتردد أو على نقل خلاف أعني اليمين على الظن لأنه قال: والظاهر أن الظن كذلك وهو محتمل لما ذكرناه من الوجهين.
وقد يؤخذ من الحديث أن الاستثناء إذا اتصل باليمين في اللفظ أنه يثبت حكمه وإن لم ينو من أول اللفظ وذلك أن الملك قال: قل إن شاء الله تعالى عند فراغه من اليمين فلو لم يثبت لما أفاد قوله ويمكن أن يجعل ذلك تأدبا لا لرفع حكم اليمين فلا يكون فيه حجة.
وأقوى من ذلك في الدلالة قوله عليه السلام: «لو قال إن شاء الله لم يحنث» مع احتماله للتأويل.
5- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان», ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية.
يمين الصبر هي التي يصبر فيها نفسه على الجزم باليمين والصبر الحبس فكأنه يحبس نفسه على هذا الأمر العظيم وهي اليمين الكاذبة ويقال لمثل هذه اليمين الغموس أيضا وفي الحديث وعيد شديد لفاعل ذلك وذلك لما فيها من أكل المال بالباطل ظلما وعدوانا والاستخفاف بحرمة اليمين بالله.
وهذا الحديث يقتضي تفسير هذه الآية بهذا المعنى وفي ذلك اختلاف بين المفسرين ويترجح قول من ذهب إلى هذا المعنى بهذا الحديث وبيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني كتاب الله العزيز وهو أمر يحصل للصحابة بقرائن تحف بالقضايا.
6- عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاهداك أو يمينه», قلت: إذا يحلف ولا يبالي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان».
هذا الحديث فيه دلالة على الوعيد المذكور كالأول وفيه شيء آخر يتعلق بمسألة اختلف فيها الفقهاء وهو ما إذا ادعى على غريمه شيئا فأنكره وأحلفه ثم أراد إقامة البينة عليه بعد الإحلاف فله ذلك عند الشافعية وعند المالكية: ليس له ذلك إلا أن يأتي بعذر في ترك إقامة البينة يتوجه له وربما يتمسكون بقوله عليه السلام: «شاهداك أو يمينه» وفي حديث آخر: «ليس لك إلا ذلك» ووجه الدليل منه أن أو تقتضي أحد الشيئين فلو أجزنا إقامة.
البينة بعد التحليف لكان له الأمران معا أعني اليمين وإقامة البينة مع أن الحديث يقتضي أن ليس له إلا أحدهما.
وقد يقال في هذا إن المقصود من الكلام نفي طريق أخرى لإثبات الحق فيعود المعنى إلى حصر الحجة في هذين الجنسين- أعني البينة واليمين- إلا أم هذا قليل النفع بالنسبة إلى المناظرة وفهم مقاصد الكلام نافع بالنسبة إلى النظر وللأصوليين في أصل هذا الكلام بحث ولم ينبه على هذا حق التنبيه- أعني اعتبار مقاصد الكلام- وبسط القول فيه إلا أحد مشايخ بعض مشايخنا من أهل المغرب وقد ذكره قبله بعض المتوسطين من الأصوليين المالكيين في كتابه في الأصول وهو عندي قاعدة صحيحة نافعة للناظر في نفسه غير أن المناظر الجدلي قد ينازع في المفهوم ويعسر تقريره عليه.
وقد استدل الحنفية بقوله عليه السلام: «شاهداك أو يمينه» على ترك العمل بالشاهد واليمين.
7- عن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه: أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة وليس على رجل نذر فيما لا يملك».
وفي رواية: «ولعن المؤمن كقتله».
وفي رواية: «من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله عز وجل إلا قلة».
فيه مسائل:
المسألة الأولى: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كما يقول الفقهاء: إذا حلف بالطلاق على كذا ومرادهم تعليق الطلاق به وهذا مجاز وكأن سببه مشابهة هذا التعليق باليمين في اقتضاء الحنث أو المنع.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله عليه السلام: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام» يحتمل أن يراد به: المعنى الأول ويحتمل أن يراد به المعنى الثاني والأقرب أن المراد الثاني لأجل قوله: «كاذبا متعمدا».
والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة وتارة لا يقع وأما قولنا والله.
وما أشبهه فليس الإخبار بها أمر خارجي وهي للإنشاء أعني إنشاء القسم فتكون صورة هذا اليمين على وجهين.
أحدهما: أن يتعلق بالمستقبل كقوله إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني.
والثاني: أن يتعلق بالماضي مثل أن يقول إن كنت فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني.
فأما الأول- وهو ما يتعلق بالمستقبل- فلا تتعلق به الكفارة عند المالكية والشافعية وأما عند الحنفية ففيها الكفارة وقد يتعلق الأولون بهذا الحديث فإنه لم يذكر كفارة وجعل المرتب على ذلك قوله: «هو كما قال» وأما إن تعلق بالماضي فقد اختلف الحنفية فيه فقيل: إنه لا يكفر اعتبارا بالمستقبل وقيل: يكفر لأنه تنجيز معنى فصار كما إذا قال هو يهودي قال بعضهم: والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين وإن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر فيهما لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل.
المسألة الثانية: قوله عليه السلام: «ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة» هذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية.
ويؤخذ منه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له وإنما هي ملك لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا أذن له فيه.
قال القاضي عياض وفيه دليل لمالك ومن قال بقوله على أن القصاص من القاتل بما قتل به محددا كان أو غير محدد خلافا لأبي حنيفة اقتداء بعقاب الله عز وجل لقاتل نفسه في الآخرة ثم ذكر حديث اليهودي وحديث العرنيين.
وهذا الذي أخذه من هذا الحديث في هذه المسألة ضعيف جدا لأن أحكام الله تعالى لا تقاس بأفعاله وليس كل ما فعله في الآخرة بمشروع لنا في الدنيا كالتحريق بالنار وإلساع الحيات والعقارب وسقي الحميم المقطع للأمعاء.
وبالجملة: فما لنا طريق إلى إثبات الأحكام إلا نصوص تدل عليها أو قياس على المنصوص عند القياسيين ومن شرط ذلك: أن يكون الأصل المقيس عليه حكما أما ما كان فعلا لله تعالى فلا وهذا ظاهر جدا وليس ما نعتقده فعلا لله تعالى في الدنيا أيضا بالمباح لنا فإن لله أن يفعل ما يشاء بعباده ولا حكم عليه وليس لنا أن نفعل بهم إلا ما أذن لنا فيه بواسطة أو بغير واسطة.
المسألة الثالثة: التصرفات الواقعة قبل الملك للشيء على وجهين.
أحدهما: تصرفات التنجيز كما لوأعتق عبد غيره أو باعه أو نذر نذرا متعلقا به فهذه تصرفات لاغية اتفاقا إلا ما حكي عن بعضهم في العتق خاصة أنه إذا كان موسرا: يعتق عليه وقيل: إنه رجع عنه.
الثاني: التصرفات المتعلقة بالملك كتعلق الطلاق بالنكاح مثلا فهذا مختلف فيه ف الشافعي يلغيه كالأول وملك وأبو حنيفة يعتبرانه وقد يستدل للشافعي بهذا الحديث وما يقاربه ومخالفوه يحملونه على التنجيز أو يقولون بموجب الحديث فإن التنفيذ إنما يقع بعد الملك فالطلاق- مثلا- لم يقع قبل الملك فمن هنا يجيء القول بالموجب.
وههنا نظر دقيق في الفرق بين الطلاق- أعني تعليقه بالملك- وبين النذر في ذلك فتأمله واستبعد قوم تأويل الحديث وما يقاربه بالتنجيز من حيث إنه أمر ظاهر جلي لا تقوم به فائدة يحسن حمل اللفظ عليها وليست جهة هذا الاستبعاد بقوية فإن الأحكام كلها: في الابتداء كانت منتفية وفي أثنائها فائدة متجددة وإنما حصل الشيوع والشهرة لبعضها فيما بعد ذلك وذلك لا ينفي حصول الفائدة عند تأسيس الأحكام.
المسألة الرابعة: قوله عليه السلام: «ولعن المؤمن كقتله» فيه سؤال وهو أن يقال: إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة؟ لا يمكن أن يكون المراد أحكام الدنيا لأن قتله يوجب القصاص ولعنه لا يوجب ذلك وأما أحكام الآخرة فإما أن يراد بها التساوي في الإثم أو العقاب؟ وكلاهما مشكل لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعنة وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7, 8] وذلك دليل على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد فإن الخيرات مصالح والمفاسد شرور.
قال القاضي عياض: قال الإمام- يعني المازري- الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف قال القاضي وقيل: لعنته تقتضي قصده بإخراجه من جماعة المسلمين ومنعهم منافعه وتكثير عددهم به كما لو قتله وقيل: لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه وبعده منها بإباحة لعنته فهو كمن قتل في الدنيا وقطعت عنه منافعه فيها وقيل: الظاهر من الحديث: تشبيه في الإثم وكذلك ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم.
وأقول هذا يحتاج إلى تلخيص ونظر أما ما حكاه عن الإمام- من أن معناه استواؤهما في التحريم- فهذا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم والإثم.
والثاني: أن يقع في مقدار الإثم.
فأما الأول: فلا ينبغي أن يحمل عليه لأن كل معصية- قلت أو عظمت- فهي مشابهة أو مستوية مع القتل في أصل التحريم فلا يبقى في الحديث كبير فائدة مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل.
وأما الثاني: فقد بينا ما فيه من الإشكال وهو التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح وإتلافها وبين الأذى باللعنة.
وأما ما حكاه عن الإمام من قوله: إن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف فالكلام عليه أن نقول: اللعنة قد تطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله تعالى وهذا الذي يقع فيه التشبيه.
والثاني: أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه لذلك الإبعاد بقوله لعنة الله مثلا أو بوصفه للشخص بذلك الإبعاد بقوله فلان ملعون وهذا ليس بقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصل به الإجابة فيكون حينئذ تسببا إلى قطع التصرف ويكون نظيره: التسبب إلى القتل غير أنهما يفترقان في أن التسبب إلى القتل بمباشرة الحز وغيره من مقدمات القتل مفض إلى القتل بمطرد العادة فلو كان مباشرة اللعن مفضيا إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائما: لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل أو زاد عليه.
وبهذا يتبين لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن لعنته تقتضي قصده إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله فإن قصده إخراجه لا يستلزم إخراجه كما يستلزم مقدمات القتل وكذلك أيضا ما حكاه من أن لعنته تقتضي قطع منافعه الأخروية عنه بإجابة دعوته إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة وقد لا تجاب في كثير من الأوقات فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله ولا يستوي القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضية إليه في مطرد العادة.
ويحتمل ما حكاه القاضي عن الإمام وغيره أو بعضه أن لا يكون تشبيها في حكم دنيوي ولا أخروي بل يكون تشبيها لأمر وجودي بأمر وجودي كالقطع والقطع- مثلا في بعض ما حكاه- أي قطعه عن الرحمة أو عن المسلمين بقطع حياته وفيه بعد ذلك نظر.
والذي يمكن أن يقرر به ظاهر الحديث في استوائهما في الإثم أنا نقول: لا نسلم أن مفسدة اللعن مجرد أذاه بل فيها- مع ذلك- تعريضه لإجابة الدعاء فيه بموافقة ساعة لا يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه كما دل عليه الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم, ولا تدعوا على أموالكم, ولا تدعوا على أولادكم لا توافقوا ساعة-» الحديث وإذا عرضه باللعنة لذلك وقعت الإجابة وإبعاده من رحمة الله تعالى كان ذلك أعظم من قتله لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعا والإبعاد من رحمة الله تعالى أعظم ضررا بما لا يحصى وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويا أو مقاربا لأخفهما على سبيل التحقيق ومقادير الفساد والمصالح وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطلاع على حقائقه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
كتاب الأيمان والنذور:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب الأيمان والنذور:-
انتقل الى: