السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب القصاص:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

كتاب القصاص: Empty
مُساهمةموضوع: كتاب القصاص:   كتاب القصاص: I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 02, 2015 1:45 pm



1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وهؤلاء الثلاثة مباحو الدم بالنص وقوله عليه السلام: «يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» كالتفسير لقوله: «مسلم» وكذلك: «المفارق للجماعة» كالتفسير لقوله: «التارك لدينه» والمراد بالجماعة جماعة المسلمين وإنما فراقهم بالردة عن الدين وهو سبب لإباحة دمه بالإجماع في حق الرجل واختلف الفقهاء في المرأة هل تقتل بالردة أم لا؟ ومذهب أبي حنيفة لا تقتل ومذهب غيره تقتل.
وقد يؤخذ من قوله: «المفارق للجماعة» بمعنى المخالف لأهل الإجماع فيكون متمسكا لمن يقول: مخالف الإجماع كافر وقد نسب ذلك لبعض الناس وليس ذلك بالهين وقد قدمنا الطريق في التفكير.
فالمسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع كوجوب الصلاة مثلا وتارة لا يصحبها التواتر.
فالقسم الأول: يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع.
والقسم الثاني: لا يكفر به وقد وقع في هذا المكان من يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالفة في حدوث العالم من قبيل مخالفة الإجماع وأخذ من قوله من قال إنه لا يكفر مخالف الإجماع أن لا يكفر هذا المخالف في هذه المسألة وهذا كلام ساقط بالمرة إما عن عمى في البصيرة أو تعام لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل عن صاحب الشريعة فيكفر المخالف بسبب مخالفته النقل المتواتر لا بسبب مخالفته الإجماع.
وقد استدل بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل بتركها فإن ترك الصلاة ليس من هذه الأسباب أعني زنا المحصن وقتل النفس والردة وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم إباحة الدم في هذه الثلاثة وبذلك استدل شيخ والدي الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي في أبياته التي نظمها في حكم تارك الصلاة أنشدنا الفقيه المفتي أبو موسى هارون بن عبد الله المهراني قديما قال: أنشدنا الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي لنفسه:

خسر الذي ترك الصلاة وخابا ** وأبى معادا صالحا ومآبا



إن كان يجحدها فحسبك أنه ** أمسى بربك كافرا مرتابا



أو كان يتركها لنوع تكاسل ** غطى على وجه الصواب حجابا



فالشافعي ومالك رأيا له ** إن لم يتب حد الحسام عقابا



وأبو حنيفة قال: يترك مرة ** هملا ويحبس مرة إيجابا



والظاهر المشهور من أقواله ** تعزيزه زجرا له وعقابا


إلى أن قال:

والرأي عندي أن يؤدبه الإما ** م بكل تأديب يراه صوابا



ويكف عنه القتل طول حياته ** حتى يلاقي في المآب حسابا



فالأصل عصمته إلى أن يمتطي ** إحدى الثلاث إلى الهلاك ركابا



الكفر أو قتل المكافي عامدا ** أو محصن طلب الزنا فأصابا


فهذا من المنسوبين إلى اتباع مالك اختار خلاف مذهبه في ترك قتله وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني استشكل قتله في مذهب الشافعي أيضا.
وجاء بعض المتأخرين ممن أدركنا زمنه فأراد أن يزيل الإشكال فاستدل بقوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» ووجه الدلالة منه: أنه وقف العصمة على مجموع الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والمرتب على أشياء لا يحصل إلا بحصول مجموعها وينتفي بانتفاء بعضها.
وهذا إن قصد الاستدلال بالمنطوق وهو قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى» الخ فإنه يقتضي بمنطوقه: الأمر بالقتال إلى هذه الغاية فقد وهل وسها لأنه فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه فإن المقاتلة مفاعلة تقتضي الحصول من الجانبين ولا يلزم من إباحة المقاتلة على الصلاة- إذا قوتل عليها- إباحة القتل عليها من الممتنع عن فعلها إذا لم يقاتل, ولا إشكال بأن قوما لو تركوا الصلاة ونصبوا القتال عليها: أنهم يقاتلون إنما النظر والخلاف فيما إذا تركوا إنسان من غير نصب قتال هل يقتل أم لا؟ فتأمل الفرق بين المقاتلة على الصلاة والقتل عليها وأنه لا يلزم من إباحة المقاتلة عليها إباحة القتل عليها.
وإن كان أخذ هذا من لفظ حديث آخر الحديث وهو ترتيب العصمة على فعل ذلك: فإنه يدل بمفهومه على أنها لا تترتب بفعل بعضه: هان الخطب لأنها دلالة مفهوم والخلاف فيها معروف مشهور وبعض من ينازعه في هذه المسألة لا يقول بدلالة المفهوم ولو قال بها فقد رجح عليها دلالة المنطوق في هذا الحديث.
2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء».
هذا تعظيم لأمر الدماء فإن البداءة تكون بالأهم فالأهم وهي حقيقة بذلك فإن الذنوب تعظم بحسب عظم المفسدة الواقعة بها أو بحسب فوات المصالح المتعلقة بعدمها وهدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه ثم يحتمل من حيث اللفظ أن تكون هذه الأولية مخصوصة بما يقع فيه الحكم بين الناس ويحتمل أن تكون عامة في أولية ما يقضى فيه مطلقا ومما يقوي الأول: ما جاء في الحديث: «إن أول ما يحاسب به العبد صلاته».
3- عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم إلى المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر»- وهو أحدث لقوم- فسكت فتكلما فقال: «أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» قالوا: كيف بأيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده.
وفي حديث حماد بن زيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم, فيدفع برمته» قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قالوا: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم؟» قالوا: يا رسول الله قوم كفار, فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده.
وفي حديث سعيد بن عبيد: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فواده بمائة من إبل الصدقة).
فيه مسائل:
الأولى: حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة وحويصة بضم الحاء المهملة وسكون الياء وقد تشدد مكسورة ومحيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء وقد تشدد.
الثانية: هذا الحديث أصل في القسامة وأحكامها.
والقسامة بفتح القاف: هي اليمين التي يحلف بها المدعي للدم عند اللوث وقيل: إنها في اللغة: اسم للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدم وموضع جريان القسامة: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ولا تقوم عليه بينة ويدعي ولي القتيل قتله على واحد أو جماعة ويقترن بالحال: ما يشعر بصدق الولي على تفصيل في الشروط عند الفقهاء أو بعضهم ويقال له اللوث فيحلف على ما يدعيه.
الثالثة: قد ذكرنا اللوث ومعناه وفرع الفقهاء له صورا منها: وجدان القتيل في محلة أو قرية بينه وبين أهلها عداوة ظاهرة ووصف بعضهم القرية ههنا: بأن تكون صغيرة واشترط أن لا يكون معهم ساكن من غيرهم لاحتمال أن القتل من غيرهم حينئذ.




الرابعة: في الحديث: «وهو يتشحط في دمه قتيلا» وذلك يقتضي وجود الدم صريحا والجراحة ظاهرة ولم يشترط الشافعية في اللوث لا جراحة ولا دما وعن أبي حنيفة: أنه إن لم تكن جراحة ولا دم فلا قسامة وإن وجدت الجراحة ثبتت القسامة: وإن وجد الدم دون الجراحة فإن خرج من أنفه: فلا قسامة وإن خرج من الفم أو الأذن ثبتت القسامة هكذا حكي واستدل الشافعية بأن القتل قد يحصل بالخنق وعصر الخصية والقبض على مجرى النفس فيقوم أثرهما مقام الجراحة.
الخامسة: عبد الرحمن بن سهل هو أخو القتيل ومحيصة وحويصة ابنه مسعود: ابنا عمه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكبر بقوله: «كبر كبر» فيقال في هذا: إن الحق لعبد الرحمن لقربه.
والدعوى له فكيف عدل عنه؟ وقد يجاب عن هذا بأن الكلام ليس هو حقيقة الدعوى التي يترتب عليها الحكم بل هو كلام لشرح الواقعة وتبيين حالها أو يقال: إن عبد الرحمن يفوض الكلام والدعوى إلى من هو أكبر منه.
السادسة: مذهب أهل الحجاز أن المدعي في محل القسامة يبدأ به في اليمين كما اقتضاه الحديث ونقل عن أبي حنيفة خلافه وكأنه قدم المدعي هاهنا- على خلاف قياس الخصومات- بما انضاف إلى دعواه من شهادة اللوث مع عظم قدر الدماء ولينبه على أنه ليس كل واحد من هذين المعنيين بعلة مستقلة بل ينبغي أن يجعل كل واحد جزء علة.
السابعة: اليمين المستحقة في القسامة خمسون يمينا وتكلم الفقهاء في علة تعدد اليمين في جانب المدعي فقيل لأن تصديقه على خلاف الظاهر فأكد بالعدد وقيل: سببه تعظيم شأن الدم وبني على العلتين: ما إذا كانت الدعوى في غير محل اللوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه ففي تعددها خمسين: قولان للشافعي.
الثامنة: قوله عليه السلام: «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا» فيه دليل على أن المدعي في محل القسامة إذا نكل: أنه تغلظ اليمين بالتعداد على المدعي عليه وفي هذه المسألة طريقان:
إحداهما: إجراء قولين فإن نكوله يبطل اللوث فكأنه لا لوث.
والثانية- وهي الأصح- القطع بالتعدد للحديث فإنه جعل أيمان المدعي عليهم كأيمان المدعين.
التاسعة: قوله: «وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» وفي رواية: «دم صاحبكم» يستدل به من يرى القتل بالقسامة وهو مذهب مالك وللشافعي قولان: إذا وجد ما يقتضي القصاص في الدعوى والمكافأة في القتل.
أحدهما: كمذهب مالك وهو قديم قوليه تشبيها لهذه اليمين باليمين المردودة.
والثاني- وهو جديد قوليه- أن لا يتعلق بها قصاص واستدل له من الحديث بقوله عليه السلام: «إما أن يدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب» فإنه يدل على أن المستحق دية لا قود ولأنه لم يتعرض للقصاص والاستدلال بالرواية التي فيها: «فيدفع برمته» أقوى من الاستدلال بقوله عليه السلام: «فتستحقون دم صاحبكم» لأن قولنا يدفع برمته يستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل ولو أن الواجب الدية لتبعد استعمال هذا اللفظ فيها وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر والاستدلال بقوله: «دم صاحبكم» أظهر من الاستدلال بقوله: «فتستحقون قاتلكم أو صاحبكم» لأن هذا اللفظ الأخير لابد فيه من إضمار فيحتمل أن يضمر «دية صاحبكم» احتمالا ظاهرا وأما بعد التصريح بالدم: فتحتاج إلى تأويل اللفظ بإضمار بدل صاحبكم والإضمار على خلاف الأصل ولو احتيج إلى إضمار: لكان حمله على ما يقتضي إراقة الدم أقرب والمسألة مستشنعة عند المخالفين لهذا المذهب أو بعضهم فربما أشار بعضهم إلى احتمال أن يكون: «دم صاحبكم» هو القتيل لا القاتل ويردده قوله: «دم صاحبكم أو قاتلكم».
العاشرة: لا يقتل بالقسامة عند مالك إلا واحد خلافا للمغيرة بن عبد الرحمن من أصحابه وقد يستدل لمالك بقوله عليه السلام: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» فإنه لو قتل أكثر من واحد لم يتعين أن يقسم على واحد منهم.
الحادية عشرة: قوله: «برمته» مضموم الراء المهملة مشدد الميم المفتوحة وهو مفسر بإسلامه للقتل وفي أصله في اللغة قولان:
أحدهما: أن الرمة حبل يكون في عنق البعير فإذا قيد أعطي به.
والثاني: أنه حبل يكون في عنق الأسير فإذا أسلم للقتل سلم به.
الثانية عشرة: إذا تعدد المدعون في محل القسامة ففي كيفية أيمانهم قولان للشافعي.
أحدهما: أن كل واحد يحلف خمسين يمينا الثاني: أن الجميع يحلفون خمسين يمينا وتوزع الأيمان عليهم وإن وقع كسر تمم فلو كان الوارث اثنين مثلا حلف كل واحد خمسة وعشرين يمينا وإن اقتضى التوزيع كسرا في صورة أخرى- كما إذا كانوا ثلاثة- كملنا الكسر فحلف سبعة عشر يمينا.
الثالثة عشر: قوله عليه السلام: «يحلف خمسون منكم» قد يؤخذ منه مسألة ما إذا كانوا أكثر من خمسين.
الرابعة عشرة: الحديث ورد بالقسامة في قتيل حر وهل تجري القسامة في بدل العبد؟ فيه قولان للشافعي.
وكان منشأ الخلاف أن هذا الوصف- أعني الحرية- هل له مدخل في الباب أو اعتبار أم لا؟ فمن اعتبره يجعله جزءا من العلة إظهارا لشرف الحرية ومن لم يعتبره قال: إن السبب في القسامة إظهار الاحتياط في الدماء والصيانة من إضاعتها.
وهذا القدر شامل لدم الحر والعبد وألغي وصف الحرية بالنسبة إلى هذا المقصود وهو جيد.
الخامسة عشرة: الحديث وارد في قتل النفس وهل يجري مجراه ما دونها من الأطراف والجراح؟ مذهب مالك: لا وفي مذهب الشافعي قولان:
ومنشأ الخلاف فيها أيضا ما ذكرناه من أن هذا الوصف- أعني كونه نفسا- هل له أثر أو لا؟ وكون هذا الحكم على خلاف القياس مما يقوي الاقتصار على مورده.
السادسة عشرة: قيل فيه: إن الحكم بين المسلم والذمي كالحكم بين المسلمين في الاحتساب بيمينه والاكتفاء بها وأن يمين المشرك مسموعة على المسلمين كيمين المسلم عليه ومن نقل من الناس عن مالك أن أيمانهم لا تسمع على المسلمين كشهادتهم فقد أخطأ قطعا في هذا الإطلاق بل هو خلاف الإجماع الذي لا يعرف غيره لأن في الخصومات إذا اقتضت توجه اليمين على المدعى عليه حلف وإن كان كافرا والله أعلم.
4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن جارية وجد رأسها مرضوضا بين حجرين فقيل: من فعل هذا بك؟ فلان فلان؟ حتى ذكر يهودي فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين).
5- ولمسلم والنسائي عن أنس: (أن يهوديا قتل جارية على أوضاح فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم بها).
الحديث دليل على مسألتين من مشاهير مسائل الخلاف.
الخلاف أن القتل بالمثقل موجب للقصاص وهو ظاهر من الحديث وقوي في المعنى أيضا فإن صيانة الدماء من الإهدار أمر ضروري والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إزهاق الأرواح فلو لم يجب القصاص بالقتل بالمثقل لأدى ذلك إلى أن يتخذ ذريعة إلى إهدار القصاص وهو خلاف المقصود من حفظ الدماء وعذر الحنفية عن هذا الحديث ضعيف وهو أنهم قالوا: هو بطريق السياسة.
وادعى صاحب المطول: أن ذلك اليهودي ساع في الأرض بالفساد وكان من عادته قتل الصغار بذلك الطريق قال: أو نقول: يحتمل أن يكون جرحها برضخ وبه نقول يعني على إحدى الروايتين عن أبي حنيفة والأصح عندهم أنه يجب به.
المسألة الثانية: اعتبار المماثلة في طريق القتل هو مذهب الشافعي ومالك وإن اختار الولي العدول إلى السيف فله ذلك وأبو حنيفة يخالف في هذه المسألة فلا قود عنده إلا بالسيف والحديث دليل لمالك والشافعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم رض رأس اليهودي بين حجرين كما فعل هو بالمرأة ويستثنى من هذا ما إذا كان الطريق الذي حصل به القتل محرما كالسحر فإنه لا يمكن فعله.
واختلف أصحاب الشافعي فيما إذا قتل باللواط أو بإيجار الخمر فمنهم من قال: يسقط اعتبار المماثلة للتحريم كما قلنا في السحر ومنهم من قال: تدس فيه خشبة ويؤجر خلا بدل الخمر.
وأما قولنا: إن للولي أن ينتقل إلى السيف إذا اختار فقد استثنى بعضهم منه: ما إذا قتله بالخنق قال: لا يعدل إلى السيف وادعى أنه عدول إلى أشد فإن الخنق يغيب الحس فيكون أسهل.
والأوضاح: حلى من الفضة يتحلى بها سميت بها لبياضها واحدها وضح وفي قوله في هذه الرواية فأقاده ما يقتضي بطلان ما حكيناه من عذر الحنفي.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تلتقط ساقتطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل وإما أن يدي» فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتبوا لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه» ثم قام العباس فقال: يا رسول الله إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر».
فيه مسائل سوى ما تقدم في باب الحج:
الأولى: قوله عليه السلام: «إن الله حبس عن مكة الفيل» هذه الرواية الصحيحة في الحديث والفيل بالفاء والياء آخر الحروف وشذ بعض الرواة فقال: الفيل أو القتل والصحيح الأول وحبسه: حبس أهله الذين جاءوا للقتال في الحرم.
الثانية: قوله عليه السلام: «وسلط عليها رسوله والمؤمنين» يستدل به من رأى أن فتح مكة كان عنوة فإن التسليط الذي وقع للرسول: مقابل للحبس الذي وقع للفيل وهو الحبس عن القتال وقد مر ما يتعلق بالقتال بمكة.
الثالثة: التحريم المشار إليه يجمعه إثبات حرمات تتضمن تعظيم المكان منها: تحريم القتل وتحريم القتل هو ما ذكر في الحديث.
الرابعة: اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد على قولين:
أحدهما: أن الموجب هو القصاص عينا.
والثاني: أن الموجب أحد الامرين: إما القصاص أو الدية والقولان للشافعي.
ومن فوائد هذا الخلاف أن من قال: الموجب هو القصاص قال: ليس للولي حق أخذ الدية بغير رضى القاتل وقيل على هذا القول: للولي حق إسقاط القصاص وأخذ الدية بغير رضى القاتل وثمرة هذا القول على هذا تظهر في عفو الولي وموت القاتل فعلى قول التخيير يأخذ المال بالعفو عن الدية لا في الموت ويستدل بهذا الحديث على أن الواجب أحد الأمرين وهو ظاهر الدلالة ومن يخالف قال في معناه وتأويله: إن شاء أخذ الدية برضى القاتل إلا أنه لم يذكر الرضى لثبوته عادة وقيل: إنه كقوله عليه السلام فيما ذكر: «خذ سلمك أو رأس مالك» يعني: رأس مالك برضى المسلم إليه لثبوته عادة لأن السلم بأبخس الأثمان فالظاهر: أنه يرضى بأخذ رأس المال وهذا الحديث المستشهد به يحتاج إلى إثباته.
الخامسة: كان قد وقع اختلاف في الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقر الأمر بين الناس على الكتابة لتقييد العلم بها وهذا الحديث يدل على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الكتابة لأبي شاه والذي أراد أبو شاه كتابته هو خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.
7- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال: «لتأتين بمن يشهد معك» فشهد معه محمد بن مسلمة.
إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتا.
الحديث أصل في إثبات غرة الجنين وكون الواجب فيه غرة عبد أو أمة وذلك إذا ألقته ميتا بسبب الجناية وإطلاق الحديث في العبد والأمة للفقهاء فيه تصرف بالتقييد في سن العبد وليس ذلك من مقتضى هذا الحديث فنذكره.
واستشارة عمر في ذلك أصل في الاستشارة في الأحكام إذا لم تكن معلومة للإمام.
وفي ذلك دليل أيضا على أن العلم الخاص قد يخفى على الأكابر ويعلمهم من هو دونهم وذلك يصد في وجه من يغلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فقال: لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك إذا خفي على أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز.
وقوله عمر: «لتأتين بمن يشهد معك» يتعلق به من يرى اعتبار العدد في الرواية وليس هو بمذهب صحيح فإنه قد ثبت قبول خبر الواحد وذلك قاطع بعدم اعتبار العدد في حديث جزئي فلا يدل على اعتباره كليا لجواز أن يحال ذلك على مانع خاص بتلك الصورة أو قيام سبب يقتضي التثبت وزيادة الاستظهار لاسيما إذا قامت قرينة مثل عدم علم عمر رضي الله عنه بهذا الحكم وكذلك حديثه مع أبي موسى في الاستئذان ولعل الذي أوجب ذلك استبعاده عدم العلم به وهو في باب الاستئذان أقوى وقد صرح عمر رضي الله عنه بأنه أراد أن يستثبت.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يظل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هو من إخوان الكهان» من أجل سجعه الذي سجع.
قوله: «فقتلتها وجنينها» ليس فيه ما يشعر بانفصال الجنين ولعله لا يفهم منه بخلاف حديث عمر الماضي فإنه صرح بالانفصال والشافعية شرطوا في وجوب الغرة الانفصال ميتا بسبب الجناية فلو ماتت الأم ولم ينفصل الجنين لم يجب شيء قالوا: لأنا لا نتيقن وجود الجنين فلا نوجب شيئا بالشك.
وعلى هذا هل المعتبر نفس الانفصال أو أن ينكشف ويتحقق حصول الجنين؟ فيه وجهان أصحهما الثاني وينبني على هذا ما إذا قدت بنصفين وشوهد الجنين في بطنها ولم ينفصل وما إذا خرج رأس الجنين بعدما ضرب وماتت الأم لذلك ولم ينفصل وبمقتضى هذا يحتاجون إلى تأويل هذه الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه.
مسألة أخرى: الحديث علق الحكم بلفظ الجنين والشافعية فسروه بما ظهر فيه صورة الآدمي من يد أو إصبع أو غيرهما ولو لم يظهر شيء من ذلك وشهدت البينة بأن الصورة خفية يختص أهل الخبرة بمعرفتها وجبت الغرة أيضا وإن قالت البينة: ليست فيه صورة خفية ولكنه أصل الآدمي ففي ذلك اختلاف والظاهر عند الشافعية أنه لا تجب الغرة وإن شكت البينة في كون أصله الآدمي لم تجب بلا خلاف.
وحظ الحديث: أن الحكم مرتب على اسم الجنين فما تخلق فهو داخل فيه وما كان دون ذلك فلا يدخل تحته إلا من حيث الوضع اللغوي فإنه مأخوذ من الاجتنان وهو الاختفاء فإن خالفه العرف العام فهو أولى منه وإلا اعتبر الوضع.
وفيه الحديث: دليل على أنه لا فرق في الغرة بين الذكر والأنثى ويجبر المستحق على قبول الرقيق من أي نوع كان وتعتبر فيه السلامة من العيوب المثبتة للرد في البيع واستدل بعضهم على ذلك بأنه ورد في الخبر لفظة الغرة قال: وهي الخيار وليس المعيب من الخيار.
وفيه أيضا من الإطلاق في العبد والأمة: أنه لا يتقدر قيمة وهو وجه للشافعية والأظهر عندهم: أنه ينبغي أن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية وهي خمس من الإبل وقيل: إن ذلك يروي عن عمر وزيد بن ثابت.
وفيه دليل على أنه إذا وجدت الغرة بالصفات المعتبرة: أنه لا يلزم المستحق قبول غيرها لتعيين حقه في ذلك في الحديث وأما إذا عدمت: فليس في الحديث ما يشعر بحكمه وقد اختلفوا فيه فقيل: الواجب خمس من الإبل وقيل: يعدل إلى القيمة عند الفقد.
وقد قدمنا الإشارة إلى أن الحديث بإطلاقه لا يقتضي تخصيص سن دون سن والشافعية قالوا: لا يجبر على قبول ما لم يبلغ سبعا لحاجته إلى التعهد وعدم استقلاله وأما في طرف الكبر فقيل: إنه لا يؤخذ الغلام بعد خمسة عشرة سنة ولا الجارية بعد عشرين سنة وجعل بعضهم الحد: عشرين والأظهر: أنهما يؤخذان وإن جاوزوا الستين ما لم يضعفا ويخرجا عن الاستقلال بالهرم لأن من أتى بما دل الحديث عليه ومسماه: فقد أتى بما وجب فلزم قبوله إلا أن يدل دليل على خلافه وقد أشرنا إلى أن التقييد بالسن ليس من مقتضى لفظ الحديث.
مسألة أخرى: الحديث ورد في جنين حرة وهذا الحديث الثاني ليس فيه عموم يدخل تحته جنين الأمة بل هو حكم وارد في جنين الحرة من غير لفظ عام وأما حديث عمر السابق- وإن كان في لفظ الاستشارة ما يقتضي العموم لقوله: «في إملاص المرأة» لكن لفظ الراوي يقتضي أنه شهد واقعة مخصوصة فعلى هذا: ينبغي أن يؤخذ حكم جنين الأمة من محل آخر وعند الشافعية: الواجب في جنين الرقيق: عشر قيمة الأم ذكرا أو أنثى وكذلك نقول: إن الحديث وارد في جنين محكوم بإسلامه ولا يتعرض لجنين محكوم له بالتهود أو التنصر تبعا ومن الفقهاء من قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعا وهذا مأخوذ من القياس لا من الحديث.
وقوله: «قضى بدية المرأة على عاقلتها» إجراء لهذا القتل مجرى غير العمد.
وحمل: بفتح الحاء المهملة والميم معا.
وطل: دم القتيل إذا أهدر ولم يؤخذ فيه شيء.
وقوله عليه السلام: «إنما هو من إخوان الكهان» الخ فيه إشارة إلى ذم السجع وهو محمول على السجع المتكلف لإبطال حق أو تحقيق باطل أو لمجرد التكلف بدليل أنه قد ورد السجع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام غيره من السلف ويدل على ما ذكرناه: أنه شبهه بسجع الكهان لأنهم كانوا يرجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين فيستميلون بها القلوب ويستصغون إليها الأسماع قال بعضهم: فأما إذا كان وضع السجع في مواضعه من الكلام فلا ذم فيه.
9- عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيته فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك».
أخذ الشافعي بظاهر هذا الحديث فلم يوجب ضمانا لمثل هذه الصورة إذا عض إنسان يد آخر فانتزعها فسقط سنه وذلك إذا لم يمكنه تخليص يده بأيسر ما يقدر عليه من فك لحييه أو الضرب في شدقيه ليرسلها فحينئذ إذا سل أسنانه أو بعضها فلا ضمان عليه.
وخالف غير الشافعي في ذلك وأوجب ضمان السن والحديث صريح لمذهب الشافعي وأما التقيد بعدم الإمكان بغير هذا الطريق: فعله مأخوذ من القواعد الكلية وأما إذا لم يمكنه التخليص إلا بضرب عضو آخر كبعج البطن وعصر الانثيين فقد اختلف فيه فقيل: له ذلك وقيل: ليس له قصد غير الفم وإذا كان القياس وجوب الضمان فقد يقال: إن النص ورد في صورة التلف بالنزع من اليد فلا نقيس عليه غيره لكن إذا دلت القواعد على اعتبار الإمكان في الضمان وعدم الإمكان في غير الضمان وفرضنا أنه لم يكن الدفع إلا بالقصد إلى غير الفم: قوي بعد هذه القاعدة: أن يسوى بين الفم وغيره.
10- عن الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: حدثنا جندب في هذا المسجد وما نسينا منه حديثا وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله عز وجل: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة».
الحسن بن أبي الحسن: يكنى أبا سعيد من أكابر التابعين وسادات المسلمين ومن مشاهير العلماء والزهاد المذكورين وفضائله كثيرة.
وجندب بضم الدال وفتحها: ابن عبد الله بن سفيان البجلي العقلي- بفتح العين واللام- والعلق: بطن من بجيلة ومنهم من ينسبه إلى جده فيقول: جندب بن سفيان كنيته: أبو عبد الله كان بالكوفة ثم صار إلى البصرة: وحز يده قطعها أو بعضها ورقأ الدم بفتح الراء والقاف والهمز: ارتفع وانقطع.
وفي الحديث إشكالان.
أحدهما قوله: «بادرني عبدي بنفسه» وهي مسألة تتعلق بالآجال وأجل كل شيء: وقته يقال: بلغ أجله أن تم أمده وجاء حينه وليس كل وقت أجلا ولا يموت أحد بأي سبب كان إلا بأجله وقد علم الله بأنه يموت بالسبب المذكور وما علمه فلا يتغير فعلى هذا: يبقى قوله: «بادرني عبدي بنفسه» يحتاج إلى التأويل فإنه قد يوهم: أن الأجل كان متأخرا عن ذلك الوقت فقدم عليه.
الثاني قوله: «حرمت عليه الجنة» فيتعلق به من يرى بوعيد الأبد وهو مؤول عند غيرهم على تحريم الجنة بحالة مخصوصة كالتخصيص بزمن كما يقال: إنه لا يدخلها مع السابقين أو يحملونه على فعل ذلك مستحلا فيكفر به ويكون مخلدا بكفره لا بقتله نفسه.
والحديث أصل كبير في تعظيم قتل النفس سواء كانت نفس الإنسان أو غيره لأن نفسه ليس ملكه أيضا فيتصرف فيها على حسب ما يراه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
كتاب القصاص:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الأطعمة:
» كتاب الأشربة:
» .كتاب اللباس:
» .كتاب الجهاد:
» .كتاب الطهارة:

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب القصاص:-
انتقل الى: