السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 باب فسخ الحج إلى العمرة:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

باب فسخ الحج إلى العمرة: Empty
مُساهمةموضوع: باب فسخ الحج إلى العمرة:   باب فسخ الحج إلى العمرة: I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 31, 2015 10:57 pm



1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة وقدم علي رضي الله عنه من اليمن فقال: أهللت بما أهل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت», وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلم طهرت وطافت بالبيت قالت: يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج.
قوله: (أهل النبي صلى الله عليه وسلم) الإهلال: أصله رفع الصوت ثم استعمل في التلبية استعمالا شائعا ويعبر به عن الإحرام.
وقوله: (بالحج) ظاهره يدل على الإفراد وهو رواية جابر.
وقوله: (و ليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة) كالمقدمة لما أمروا به من فسخ الحج إلى العمرة إذ لم يكن هدي.
وقوله: (أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم) قيل: فيه دليل على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير وانعقاد إحرام المعلق بما أحرم به الغير ومن الناس من عدى هذا إلى صور أخرى أجاز فيها التعليق ومنعه غيره ومن أبى ذلك يقول: الحج مخصوص بأحكام ليست في غيره ويجعل محل النص منها.
وقوله: (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة) فيه عموم وهو مخصوص بأصحابه الذين لم يكن معهم هدي ة قد بين ذلك في حديث آخر وفسخ الحج إلى العمرة كان جائزا بهذا الحديث وقيل: أن علته حسم مادة الجاهلية في اعتقادها أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
واختلف الناس فيما بعد هذه الواقعة هل يجوز فسخ الحج إلى العمرة كما في هذه الواقعة أم لا؟ فذهب الظاهرية إلى جوازه وذهب أكثر الفقهاء المشهورين إلى منعه وقيل إن هذا كان مخصوصا بالصحابة وفي هذا حديث عن أبي ذر رضي الله عنه وعن الحارث بن بلال عن أبيه أيضا أعني في كونه مخصوصا.
وقوله: «فيطوفوا ثم يقصروا» يحتمل قوله فيطوفوا وجهين: أحدهما: أن يراد به الطواف بالبيت على ما هو المشهور ويكون في الكلام حذف أي يطوفوا ويسعوا فإن العمرة لابد فيها من السعي ويحتمل أن يكون استعمل الطواف في الطوف في البيت وفي السعي أيضا فإنه قد يسمى طوافا قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
وقوله: (فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر), فيه دليل على استعمال المبالغة في الكلام فإنهم إذا حلوا من العمرة وواقعوا النساء كان إحرامهم للحج قريبا من زمن المواقعة والإنزال فحصلت المبالغة في قرب الزمان بأن قيل وذكر أحدنا يقطر وكأنه إشارة إلى اعتبار المعنى في الحج وهو الشعث وعدم الترفه فإذا طال الزمن في الإحرام حصل هذا المقصود وإذا قرب زمن الإحرام من زمن التحلل ضعف هذا المقصود أو عدم وكأنهم استنكروا زوال هذا المقصود أو ضعفه لقرب إحرامهم من تحللهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت» فيه أمران:
أحدهما: جواز استعمال لفظة لو في بعض المواضع وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن لو تفتح عمل الشيطان» وقد قيل في الجمع بينهما إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا إما طلبا كما يقال: لو فعلت كذا حصل لي كذا وإما هربا كقوله: لو كان كذا لما وقع لي كذا وكذا لما في ذلك من صورة عدم التوكل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر وإما إذا استعملت في تمني القربات كما جاء في هذا الحديث فلا كراهة هذا أو ما يقرب منه.
الثاني: استدل به على أن التمتع أفضل ووجه الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى ما يكون به ممتعا لو وقع وإنما يتمنى الأفضل مما حصل ويجاب عنه بأن الشيء قد يكون أفضل بالنظر إلى ذاته بالنسبة إلى شيء آخر وبالنظر إلى ذات ذلك الشيء الآخر ثم يقترن بالمفضول في صورة خاصة مما يقتضي ترجيحه ولا يدل ذلك على أفضليته من حيث هو هو وهاهنا كذلك فإن هذا التلهف اقترن به قصد موافقة الصحابة في فسخ الحج إلى العمرة لما شق عليهم ذلك وهذا أمر زائد على مجرد التمتع وقد يكون التمتع مع هذه الزيادة أفضل ولا يلزم من ذلك أن يكون التمتع بمجرده أفضل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولولا أن معي الهدي لأحللت» معلل بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وفسخ الحج إلى العمرة يقتضي التحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة ولو تحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة لحصل الحلق قبل بلوغ الهدي محله وقد يؤخذ من هذا والله أعلم التمسك بالقياس فإنه يقتضي تسوية التقصير بالحلق في منعه قبل بلوغ الهدي محله مع أن النص لم يرد إلا في الحلق فلو وجب الاقتصار على النص لم يمتنع فسخ الحج إلى العمرة لأجل هذه العلة فإنه حينئذ كان يمكن التحلل من العمرة بالتقصير ويبقى النص معمولا به في منع الحلق حتى يبلغ الهدي محله فحيث حكم بامتناع التحلل من العمرة وعلل بهذه العلة: دل ذلك على أنه أجرى التقصير مجرى الحلق في امتناعه قبل بلوغ الهدي محله مع أن النص لم يدل عليه بلفظه وإنما ألحق به بالمعنى.
وقوله: (وحاضت عائشة)- إلى آخره يدل على امتناع الطواف على الحائض إما لنفسه وإما لملازمته لدخول المسجد ويدل على فعلها لجميع أفعال الحج إلا ذلك وعلى أنه لا تشترط الطهارة في بقية الأعمال.
وقوله: (غير أنها لم تطف بالبيت) فيه حذف تقديره: ولم تسع ويبين ذلك رواية أخرى صحيحة ذكر فيها: (أنها بعد أن طهرت طافت وسعت) ويؤخذ من هذا: أن السعي لا يصح إلا بعد طواف صحيح فإنه لو صح لما لزم من تأخير الطواف بالبيت تأخير السعي إذ هي قد فعلت المناسك كلها غير الطواف بالبيت فلولا اشتراط تقدم الطواف على السعي لفعلت في السعي ما فعلت في غيره وهذا الحكم متفق عليه بين أصحاب الشافعي ومالك وزاد المالكية قولا آخر: أن السعي لابد أن يكون بعد طواف واجب وإنما صح بعد طواف القدوم- على هذا القول- لاعتقاد هذا القائل وجوب طواف القدوم.
وقولها: (ينطلقون بحج وعمرة) تريد العمرة التي فسخوا الحج إليها والحج الذي أنشئوه من مكة وقولها: (وأنطلق بحج؟) يشعر بأنها لم تحصل لها العمرة وأنها لم تحل بفسخ الحج الأول إلى العمرة وهذا ظاهر إلا أنهم لما نظروا إلى روايات أخرى اقتضت: أن عائشة اعتمرت لأنه عليه السلام أمرها بترك عمرتها ونقض رأسها وامتشاطها والإهلال بالحج لما حاضت لامتناع التحلل من العمرة بوجود الحيض ومزاحمته وقت الحج وحملوا أمره عليه السلام بترك العمرة على ترك المضي في أعمالها لا على رفضها بالخروج منها وأهلت بالحج مع بقاء العمرة فكانت قارنة- اقتضى ذلك: أن تكون قد حصل لها عمرة فأشكل حينئذ قولها: (ينطلقون بالحج والعمرة وأنطلق بالحج) إذ هي أيضا قد حصل لها حج وعمرة لما تقرر من كونها صارت قارنة فاحتاجوا إلى تأويل هذا اللفظ فأولوا قولها: (ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج) على أن المراد: ينطلقون بحج مفرد عن عمرة وعمرة منفردة عن حج وأنطلق بحج غير مفرد عن عمرة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة ليحصل لها قصدها في عمرة مفردة عن حج وحج مفرد عن عمرة هذا حاصل ما قيل في هذا مع أن الظاهر خلافه بالنسبة إلى هذا الحديث لكن الجمع بين الروايات ألجأهم إلى مثل هذا.
وقوله فأمر عبد الرحمن- إلى آخره يدل على جواز الخلوة بالمحارم ولا خلاف فيه.
وقوله: (أن يخرج معها إلى التنعيم) يدل على أن من أراد أن يحرم بالعمرة من مكة لا يحرم بها من جوفها بل عليه الخروج إلى الحل فإن التنعيم أدنى الحل وهذا معلل بقصد الجمع بين الحل والحرم في العمرة كما وقع ذلك في الحج فإنه جمع فيه بين الحل والحرم فإن عرفة من أركان الحج وهي من الحل.
واختلفوا في أنه لو أحرم بالعمرة من مكة ولم يخرج إلى الحل: هل يكون الطواف والسعي صحيحا ويلزمه دم أو يكون باطلا؟ وفي مذهب الشافعي خلاف ومذهب مالك: أنه لا يصح وجمد بعض الناس فشرط الخروج إلى التنعيم بعينه ولم يكتف بالخروج إلى مطلق الحل ومن علل بما ذكرناه وفهم المعنى- وهو الجمع بين الحل والحرم- اكتفى بالخروج إلى مطلق الحل.
2- عن جابر رضي الله عنه قال: (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلناها عمرة).
حديث جابر على أنهم أحرموا بالحج وردوه إلى العمرة وقد ذكرنا أن مذهب الظاهرية جوازه مطلقا وهو المحكي أيضا عن أحمد.
وقوله فيه: (ونحن نقول لبيك بالحج) يدل على أنهم أحرموا بالحد مفردا لكنه محمول على بعضهم لما ورد في حديث آخر عن جابر: (فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة).
3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة فأمرهم: أن يجعلوها عمرة, فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: «الحل كله».
وحديث ابن عباس يدل أيضا على فسخ الحج إلى العمرة وفيه زيادة: أن التحلل بالعمرة تحلل كامل بالنسبة إلى جميع محظورات الإحرام لقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة لما قالوا: أي الحل؟ قال: «الحل كله» وقول الصحابة كأنه لاستبعادهم بعض أنواع الحل وهو الجماع المفسد للإحرام فأجيبوا بما يقتضي التحلل المطلق والذي يدل على هذا: قولهم في الحديث الآخر: «ينطلق أحدنا إلى منى وذكره يقطر» وهذا يشعر بما ذكرناه من استبعاد التحلل المبيح للجماع.
4- عن عروة بن الزبير قال: (سئل أسامة ابن زيد- وأنا جالس- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين دفع؟ قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص).
العنق انبساط السير والنص فوق ذلك.
حديث عروة بن الزبير عن أسامة لا يتعلق بفسخ الحج إلى العمرة وقد أدخله المصنف في بابه والعنق بفتح المهملة والنون والنص فتح النون وتشديد الصاد المهملة- ضربان من السير والنص: أرفعهما.
وفيه دليل على أنه عند الازدحام: كان يستعمل السير الأخف وعند وجود الفجوة- وهو المكان المنفسح- يستعمل السير الأشد وذلك باقتصاد لما جاء في الحديث الآخر: «عليكم السكينة».
5- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال: رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: «اذبح ولا حرج» وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج» فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج».
الشعور العلم وأصله: من المشاعر وهي الحواس فكأنه يستند إلى الحواس والنحر ما يكون في اللبة والذبح ما يكون في الحلق والوظائف يوم النحر أربعة: الرمي ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة هذا هو الترتيب المشروع فيها ولم يختلفوا في طلبية هذا الترتيب وجوازه على هذا الوجه إلا أن ابن جهم- من المالكية- يرى أن القارن لا يجوز له الحلق قبل الطواف وكأنه رأى أن القارن عمرته وحجته قد تداخلا فالعمرة قائمة في حقه والعمرة لا يجوز فيها الحلق قبل الطواف وقد يشهد لهذا: قوله عليه السلام في القارن: «حتى يحل منهما جميعا» فإنه يقتضي أن الإحلال منهما يكون في وقت واحد فإذا حلق قبل الطواف: فالعمرة قائمة بهذا الحديث فيقع الحلق فيهما قبل الطواف وفي هذا الاستشهاد نظر ورد عليه بعض المتأخرين بنصوص الأحاديث والإجماع المتقدم عليه وكأنه يريد بنصوص الأحاديث: ما ثبت عنده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا في آخر الأمر) وأنه حلق قبل الطواف وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصي عند الجمهور أو كثير أعني: كونه عليه السلام قارنا وابن الجهم بنى على مذهب مالك والشافعي ومن قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا وأما الإجماع: فبعيد الثبوت إن أراد به الإجماع النقلي القولي وإن أراد السكوتي: ففيه نظر وقد ينازع فيه أيضا.
وإذا ثبت أن الوظائف أربع في هذا اليوم فقد اختلفوا فيما لو تقدم بعضها على بعض فاختار الشافعي جواز التقديم: وجعل الترتيب مستحبا ومالك وأبو حنيفة يمنعان تقديم الحلق على الرمي لأنه حينئذ يكون حلقا قبل وجود التحللين وللشافعي قول مثله وقد بنى القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي لأنه يكون من أسباب التحلل وإن قلنا: إنه استباحة محظور: لم يجز لما ذكرناه من وقوع الحلق قبل التحللين وفي هذا البناء نظر لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكا أن يكون من أسباب التحلل ومالك يرى أن الحلق نسك ويرى- مع ذلك- أنه لا يقدم على الرمي إذ معنى كون الشيء نسكا: أنه مطلوب مثاب عليه ولا يلزم من ذلك أن يكون سببا للتحلل ونقل عن أحمد: أنه إن قدم بعض هذه الأشياء على بعض فلا شيء عليه إن كان جاهلا وإن كان عالما: ففي وجوب الدم روايتان وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي دون العامد: قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: «خذوا عني مناسككم» وهذه الأحاديث المرخصة في التقديم لما وقع السؤال عنه: إنما قرنت بقول السائل لم أشعر فيخصص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب اتباع الرسول في أعمال الحج ومن قال بوجوب الدم في العمد والنسيان عند تقدم الحلق على الرمي: فإنه يحمل قوله عليه السلام: «لا حرج» على نفي الإثم في التقديم مع النسيان ولا يلزم من نفي الإثم نفي وجوب الدم.
وادعى بعض الشارحين: أنه قوله عليه السلام: «لا حرج» ظاهر في أنه لا شيء عليه.
وعني بذلك نفي الإثم والدم معا وفيما ادعاه من الظهور نظر وقد ينازعه خصومه فيه بالنسبة إلى الاستعمال العرفي فإنه قد استعمل لا حرج كثيرا في نفي الإثم وإن كان من حيث الوضع اللغوي يقتضي نفي الضيف قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وهذا البحث كله إنما يحتاج إليه بالنسبة إلى الرواية التي جاء فيها السؤال عن تقديم الحلق على الرمي وأما على الرواية التي ذكرها المصنف: فلا تعلم من أوجب الدم وحمل نفي الحرج على نفي الإثم فيشكل عليه تأخير بيان وجوب الدم فإن الحاجة تدعو إلى تبيان هذا الحكم فلا يؤخر عنها بيانه.
ويمكن أن يقال: إن ترك ذكره في الرواية لا يلزمه منه ترك ذكره في نفس الأمر.
وأما من أسقط الدم وجعل ذلك مخصوصا بحالة عدم الشعور: فإنه يحمل: «لا حرج» على نفي الإثم والدم معا فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ويبني أيضا على القاعدة: في أن الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه وإلحاق غيره مما لا يساويه به ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة والحكم علق به فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به إذ لا يساويه فإن تمسك بقول الراوي فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج فإنه قد يشعر بأن الترتيب مطلقا غير مراعى في الوجوب.
فجوابه: أن الراوي لم يحك لفظا عاما عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي جواز التقديم والتأخير مطلقا وإنما أخبر عن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حرج» بالنسبة إلى كل ما سئل عنه من التقديم والتأخير حينئذ هذا الإخبار من الراوي: إنما تعلق بما وقع السؤال عنه وذلك مطلق بالنسبة إلى حال السؤال وكنه وقع عن العمد أو عدمه والمطلق لا يدل على أحد الخاصيين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد والله أعلم.
6- عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي: (أنه حج مع ابن مسعود فرآه رمى الجمرة الكبرى بسبع حصيات فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم).
فيه دليل على رمي الجمرة الكبرى بسبع كغيرها ودليل على استحباب هذه الكيفية في الوقوف لرميا ودليل على أن هذه الجمرة ترمى من بطن الوادي ودليل على مراعاة كل شيء من هيئات الحج التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال ابن مسعود هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة.
البقرة قاصدا بذلك الإعلام به ليفعل وفيه دليل على جواز قولنا سورة البقرة وقد نقل عن الحجاج بن يوسف: أنه نهى عن ذلك وأمر أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة فرد عليه بهذا الحديث.
7- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم ارحم المحلقين», قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: «اللهم ارحم المحلقين», قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: «والمقصرين».
الحديث دليل على جواز الحلق والتقصير معا وعلى أن الحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في الدعاء للمحلقين واقتصر في الدعاء للمقصرين على مرة وقد تكلموا في أن هذا كان في الحديبية أو في حجة الوداع وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه في الحديبية ولعله وقع فيهما معا وهو الأقرب وقد كان في كلا الوقتين توقف من الصحابة في الحلق أما في الحديبية: فلأنهم عظم عليهم الرجوع قبل تمام مقصودهم من الدخول إلى مكة وكمال نسكهم وأما في الحج فلأنهم شق عليهم فسخ الحج إلى العمرة وكان من قصر منهم شعره اعتقد: أنه أخف من الحلق إذ هو يدل على الكراهة للشيء فكرر النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين لأنهم بادروا إلى امتثال الأمر وأتموا فعل ما أمروا به من الحلق وقد ورد التصريح بهذه العالة في بعض الروايات فقيل لأنهم لم يشكوا.
8- عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهلة فقلت: يا رسول الله إنها حائض قال: «أحابستنا هي؟», قالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر قال: «اخرجوا».
وفي لفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عقري حلقي أطافت يوم النحر؟», قيل: نعم قال: «فانفري».
فيه دليل على أمور:
أحدها: أن طواف الإفاضة لابد منه وأن المرأة إذا حاضت لا تنفر حتى تطوف لقوله صلى الله عليه وسلم: «أحابستنا هي؟» فقيل: إنها قد أفاضت- إلى آخره فإن في سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس.
وثانيهما: أن الحائض يسقط عنها طواف الوداع ولا تقعد لأجله لقوله فانفري.
وثالثهما: قوله عقري مفتوح العين ساكن القاف وحلقي مفتوح الحاء سكان اللام والكلام في هاتين اللفظتين من وجوه.
منها: ضبطهم فالمشهور عن المحدثين- حتى لا يكاد يعرف غيره- أن آخر اللفظتين ألف التأنيث المقصورة من غير تنوين وقال بعضهم عقرا حلقا بالتنوين لأنه يشعر أن الموضع موضع دعاء فأجراه مجرى كلام العرب في الدعاء بألفاظ المصادر فإنها منونة موضع دعاء فأجراه مجرى كلام العرب في الدعاء بألفاظ المصادر فإنها منونة كقولهم سقيا ورعيا وجدعا وكيا ورأى أن عقرى بألف التأنيث نعت لا دعاء والذي ذكره المحدثون صحيح أيضا.
ومنها: ما تقتضيه هاتان اللفظتان فقيل عقرى بمعنى: عقرها لله وقيل: عقر قومها وقيل: جعلها عاقر لا تلد وأما حلقى فإما بمعنى حلق شهرها أو بمعنى أصابها وجع في حلقها أو بمعنى تحلق قومها بشؤمها.
ومنها: أن هذا من الكلام الذي كثر في لسان العرب حتى لا يراد به أصل موضعه كقولهم: ترتب يداك وما أشعره قاتله الله وأفلح وأبيح إلى ذلك من الألفاظ التي لا يقصد أصل موضوعها لكثرة استعمالها.
9- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض).
فيه دليل على أن طواف الوداع واجب لظاهر الأمر وهو مذهب الشافعي ويجب الدم بتركه وهذا بعد تقرير أن إخبار الصحابي عن صيغة الأمر كحكايته لها ولا دم فيه عند مالك ولا وجوب له عنده.
وفيه دليل على سقوطه عن الحائض وفيه خلاف عن بعض السلف أعني ابن عمر أو ما يقرب- أي من الخلف- منه.
10- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له).
أخذ منه أمران:
أحدهما: حكم المبيت بمنى وأنه من مناسك الحج وواجباته: وهذا من حيث قوله: (أذن للعباس من أجل سقايته) فإنه يقتضي الإذن لهذه العلة المخصوصة وأن غيرها لم يحصل فيه الإذن.
الثاني: أنه يجوز المبيت لأجل السقاية ومدلول الحديث: تعليق هذا الحكم بوصف السقاية وباسم العباس: فتكلم الفقهاء في أن هذا من الأوصاف المعتبرة في هذا الحكم فأما غير العباس: فلا يختص به الحكم اتفاقا لكن اختلفوا فيما زاد على ذلك: فمنهم من قال: يختص هذا الحكم بآل العباس ومنهم من عمه في بني هاشم ومنهم من عم وقال: كل من احتاج إلى المبيت للسقاية فله ذلك وأما تعليقه بسقاية العباس: فمنهم من خصصه بها حتى لو عملت سقاية أخرى لم يرخص في المبيت لأجلها والأقرب: ابتاع المعنى وأن العلة: الحاجة إلى إعداد الماء للشاربين.
11- وعنه- أي عن ابن عمر- قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع لكل واحدة منهما إقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما).
فيه دليل على جمع التأخير بمزدلفة وهي جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان وقت الغروب بعرفة فلم يجمع بينهما بالمزدلفة إلا وقد أخر المغرب وهذا الجمع لا خلاف فيه وإنما اختلفوا: هل هو بعذر النسك أو بعذر السفر؟ وفائدة الخلف: أن من ليس بمسافر يجمع فيه هل يجمع بين هاتين الصلاتين أم لا؟ والمنقول عن مذهب أبي حنيفة: أن الجمع بعذر النسك وظاهر مذهب الشافعي: أنه بعذر السفر ولبعض أصحابه وجه: أنه بعذر السفر ولبعض أصحابه وجه: أنه بعذر النسك.
ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الصلاتين في طول سفره ذلك فإن كان لم يجمع في نفس الأمر فيقوى أن يكون للنسك لأن الحكم المتجدد عن تجدد أمر يقتضي إضافة ذلك الحكم إلا ذلك الأمر وإن كان قد جمع: إما بأن يرد في ذلك نقل خاص أو يؤخذ من قول ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ جد به السير جمع بين المغرب والعشاء فقد تعارض في هذا الجمع سببان: السفر والنسك فيبقى النظر في ترجيح الإضافة إلى أحدهما على أن في الاستدلال بحديث ابن عمر على هذا الجمع نظرا من حيث إن السير لم يكن مجدا في ابتداء هذه الحركة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلا عند دخول وقت صلاة المغرب وأنشأ الحركة بعد ذلك فالجد إنما يكون بعد الحركة أما في الابتداء: فلا وقد كان يمكن أن تقام المغرب بعرفة ولا يحصل جد السير بالنسبة إليها وإنما يتناول الحديث: ما إذا كان الجد والسير موجودا عند دخول وقتها فهذا أمر محتمل.
واختلف الفقهاء أيضا: فيما لو أراد الجمع بغير جمع كما لو جمع في الطريق أو بعرفة على التقديم هل يجمع أم لا؟ والذين عللوا الجمع بالسفر: يجيزون الجمع مطلقا والذين يعللونه بالنسك: نقل عن بعضهم: أنه لا يجمع إلا بالمكان الذي جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المزدلفة إقامة لوظيفة النسك على الوجه الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعلق بالحديث: الكلام في الأذان والإقامة لصلاتي الجمع وقد ذكر فيه: أنه جمع بإقامة لكل واحدة ولم يذكر الأذان.
وحاصل مذهب الشافعي رحمه الله: أن الجمع إما أن يكون على وجه التقديم أو على وجه التأخير فإن كان على وجه التقديم: أذن للأولى لأن الوقت لها وأقام لكل واحدة ولم يؤذن للثانية إلا على وجه غريب لبعض أصحابه وإن كان على وجه التأخير- كما في هذا الجمع- صلاها بإقامتين كما في ظاهر الحديث وأجروا في الأذان للأولى الخلاف الذي في الأذان للفائتة ودلالة الحديث على عدم الأذان دلالة سكون أعني الحديث الذي ذكره المصنف.
ويتعلق بالحديث أيضا: عدم التنفل بين صلاتي الجمع لقوله: (ولم يسبح بينهما) والسبحة صلاة النافلة على المشهور والمسألة معبر عنها: بوجوب الموالاة بين صلاتي الجمع والمنقول عن ابن حبيب من أصحاب مالك: أن له أن ينتقل أعني للجامع بين الصلاتين ومذهب الشافعي: أن المولاة بين الصلاتين شرط في جمع التقديم وفيها في جمع التأخير خلاف لأن الوقت للصلاة الثانية فجاز تأخيرها وإذا قلنا بوجوب الموالاة فلا يقطعهما قدر الإقامة ولا قدر التيمم لمن يتيمم ولا قدر الأذان لمن يقول بالأذان لكل واحدة من صلاتي الجمع وقد حكيناه وجها لبعض الشافعية وهو قول في مذهب مالك أيضا لمن أراد أن يستدل بالحديث على عدم جواز التنفل بين صلاتي الجمع؟ فلمخالفه أن يقول: هو فعل والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب ويحتاج إلى ضميمة أمر آخر إليه.
ومما يؤكده- أعني كلام المخالف- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل بعدهما كما في الحديث مع أنه لا خلاف في جواز ذلك فيشعر ذلك بأن ترك التنفل لم يكن لما ذكر من وجوب الموالاة وقد ورد بعض الروايات: «أنه فصل بين هاتين الصلاتين بحط الرحال» وهو يحتاج إلى مسافة في الوقت ويدل على جواز التأخير وقد تكرر من المصنف إيراد أحاديث في هذا الباب لا تناسب ترجمته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
باب فسخ الحج إلى العمرة:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب الحج: :: باب فسخ الحج إلى العمرة:-
انتقل الى: