1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر».
فيه دليل على عظم الرؤيا والاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجوديات وعلى ما لا يخالف القواعد الكلية من غيرها وقد تكلم الفقهاء فيما لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأمره بأمر: هل يلزمه ذلك؟ وقيل فيه: إن ذلك إما أن يكون مخالفا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأحكام في اليقظة أولا فإن كان مخالفا عمل بما ثبت في اليقظة لأنا- وإن قلنا: بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المنقول من صفته فرؤياه حق- فهذا من قبيل تعارض الدليلين والعمل بأرجحهما وما ثبت في اليقظة فهو أرجح وإن كان غير مخالف لما ثبت في اليقظة: ففيه خلاف والاستناد إلى الرؤيا ههنا: في أمر ثبت استحبابه مطلقا وهو طلب ليلة القدر وإنما ترجح السبع الأواخر.
لسبب المرائي الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو استدلال على أمر وجودي إنه استحباب شرعي: مخصوص بالتأكيد بالنسبة إلى هذه الليالي مع كونه غير مناف للقاعدة الكلية الثابتة من استحباب طلب ليلة القدر وقد قالوا: يستحب في جميع الشهر.
وفي الحديث دليل على أن ليلة القدر في شهر رمضان وهو مذهب الجمهور وقال بعض العلماء: إنها في جميع السنة وقالوا: لو قال في رمضان لزوجته: أنت طالق ليلة القدر لم تطلق حتى عليها سنة لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون وصحة النكاح معلومة فلا تزال بيقين أنعني بيقين مرور ليلة القدر وفي هذا نظر لأنه إذا دلت الأحاديث على اختصاصها بالعشر الأواخر كان إزالة النكاح بناء على مستند شرعي وهو الأحاديث الدالة على ذلك والأحكام المقتضية لوقوع الطلاق يجوز أن تبنى على أخبار الآحاد ويرفع بها النكاح ولا يشترط في رفع النكاح أو أحكامه: أن يكون ذلك مستندا إلى خبر متواتر أو أمر مقطوع به اتفاقا نعم ينبغي أن ينظر إلى دلالة ألفاظ الأحاديث الدالة على اختصاصها بالعشر الأواخر ومرتبتها في الظهور والاحتمال فإن ضعفت دلالتها فلما قيل وجه.
وفي الحديث دليل لمن رجح في ليلة القدر غير ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين.
2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر».
وحديث عائشة يدل على مادل عليه الحديث قبله مع زيادة الاختصاص بالوتر من السبع الأواخر.
3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين- وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه- قال: من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر», فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين.
وفي الحديث دليل لمن رجح ليلة إحدى وعشرين في طلب ليلة القدر ومن ذهب إلى أن ليلة القدر تنتقل في الليالي فله أن يقول: كانت في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين ولا يلزم من ذلك: أن تترجح هذه الليلة مطلقا والقول بتنقلها حسن لأن فيه جمعا من الأحاديث وحثا على إحياء جميع تلك الليالي.
وقوله: «يعتكف العشر الأوسط» الأقوى فيه: أن يقال الوسط والوسط بضم السين أو فتحها وأما الأوسط فكأنه تسمية لمجموع تلك الليالي والأيام وإنما رجح الأول: لأن العشر اسم لليالي فيكون وصفها الصحيح جمعا لا ئقا بها وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم في ذلك العشر كان لطلب ليلة القدر وقبل أن يعلم أنها في العشر الأواخر.
وقوله: «فوكف المسجد» أي قطر يقال: وكف البيت يكف وكفا ووكوفا: إذا قطر ووكف الدفع وكيفا ووكفانا: بمعنى قطر.
وقد يأخذ من الحديث بعض الناس: أن مباشرة الجبهة بالمصلى في السجود غير واجب وهو من يقول: إنه لو سجد على كور العمامة- كالطاقة والطاقتين- صح ووجه الاستدلال: أنه إذا سجد في الماء والطين ففي السجود الأول: يعلق الطين بالجبهة فإذا سجد السجود الثاني: كان الطين الذي علق بالجبهة في السجود الأول حائلا في السجود الثاني عن مباشرة الجبهة بالأرض وفيه مع ذلك احتمال لأن يكون مسح ما علق بالجبهة أولا قبل السجود الثاني.
والذي جاء في الحديث من قوله: «وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها اعتكافه» وقوله في آخر الحديث: «فرأيت أثر الماء والطين على جبهته من صبح إحدى وعشرين» يتعلق بمسألة تكلموا فيها وهي أن ليلة اليوم: هل هي السابقة عليه كما هو المشهور أو الآتية بعده كما نقل عن بعض أهل الحديث الظاهرية؟.