1- عن عبد الله بن عباس بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر- أو قال رمضان- على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير).
وفي لفظ: «وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة».
المشهور من مذاهب الفقهاء وجوب زكاة الفطر لظاهر هذا الحديث.
وقوله: (فرض) وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب وحملوا: (فرض) على معنى قدر وهو أصله في اللغة لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب فالحمل عليه أولى لأنه ما اشتهر في الاستعمال فالقصد غليه هو الغالب.
وقوله: (رمضان) وفي رواية أخرى: (من رمضان) قد يتعلق به نم يرى أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد وقد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب طلوع الفجر من يوم العيد وكلا الاستدلالين ضعيف لأن إضافتهما إلى الفطر من رمضان لا يستلزم أنه وقت الوجوب بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان فيقال حينئذ بالوجوب لظاهر لفظه: (فرض) ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر.
وقوله: (على الذكر والأنثى والحر والمملوك) يقتضي وجوب الإخراج عن هؤلاء وإن كانت لفظة: «على» تقتضي الوجوب عليهم ظاهرا وقد اختلف الفقهاء في أن الذي يخرج عنهم هل باشرهم الوجوب أولا؟ والمخرج يتحمله أم الوجوب يلقي المخرج أولا؟ فقد يتمسك من قال بالقول الأول بظاهر قوله: (على الذكر والأنثى والحر والمملوك) فإن ظاهره يقتضي تعلق الوجوب بهم كما ذكرنا وشرط هذا التمسك إمكان ملاقاة الوجوب للأصل.
والصاع أربعة أمداد والمد: رطل وثلث بالبغدادي وخالف في ذلك أبو حنيفة وجعل الصاع ثمانية أرطال واستدل مالك بنقل الخلف عن السلف بالمدينة وهو استدلال صحيح قوي في مثل هذا ولما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد في المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله لما استدل بما ذكرناه.
وقوله: (صاعا من التمر أو صاعا من شعير) بيان لجنس المخرج في هذه الزكاة وقد ورد تعيين أجناس لها في أحاديث متعددة أزيد مما في هذا الحديث فمن الناس من أجاز جميع هذه الأجناس مطلقا لظاهر الحديث ومنهم من قال لا يخرج إلا غالب قوت البلد إنما ذكرت هذه الأشياء لأنها كلها كانت مقتاتة بالمدينة في ذلك الوقت فعلى هذا لا يجزئ بأرض مصر إلا إخراج البر لأنه غالب القوت.
وقوله فعدل الناس الخ هو مذهب أبي حنيفة في البر فإنه يخرج منه نصف صاع وقيل أن الذي عدل ذلك معاوية بن أبي سفيان وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ابن عباس ولا يمكن من قال بهذا المذهب أن يستدل بقوله: «فعدل الناس» ويجعل ذلك إجماعا على هذا الحكم ويقدمه على خبر الواحد لأن أبا سعيد الخدري قد خالف في ذلك وقال أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ولا يخلو هذا من نظر.
والسنة في صدقة الفطر أن تؤدى قبل الخروج إلى الصلاة ليحصل غنى الفقير وينقطع تشوفه عن الطلب في حالة العبادة.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذه يعدل مدين قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقول أبي سعيد: (صاعا من طعام) يريد به البر.
فيه دليل على خلاف مذهب أبي حنيفة في أن البر يخرج منه نصف صاع وهذا أصرح في المراد وأبعد عن التقدير والتقويم بنصف صاع من حديث ابن عمر فإن في ذلك الحديث نص على التمر والشعير فتقدير الصاع منهما بنصف الصاع من البر لا يكون مخالفا للنص بخلاف حديث أبي سعيد فإنه يكون مخالفا له وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في البر عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق البر وإذا غلب العرف بذلك نزل اللفظ عليه لأن الغالب أن الإطلاق في الألفاظ على حسب ما يخطر في البال من المعاني والمدلولات وما غلب استعمال اللفظ عليه فخطوره عند الإطلاق أقرب فينزل اللفظ عليه وهذا بناء على أن يكون هذا العرف موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتردد قول الشافعي في إخراج الأقط وقد صح الحديث به.
وقد ذكر الزبيب في هذا الحديث والكلام في هذه الأجناس قد مر وهل تتعين هذه أنها كانت أقواتا في ذلك الوقت أو يتعلق الحكم بها مطلقا؟.
والسمراء: يراد بها الحنطة المحمولة من الشام وفي هذا الحديث دليل على ما قيل من أن معاوية هو الذي عدل الصاع من غير البر بنصف الصاع منه ويؤخذ منه القول بالاجتهاد بالنظر والتعويل على المعاني في الجملة وإن كان في هذا الموضع إذ لم يرد بذلك نص خاص مرجوحا بمخالفة النص والله أعلم.