1- عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول ردائه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة».
وفي لفظ: «إلى المصلى».
فيه دليل على استحباب الصلاة للاستسقاء وهو مذهب جمهور الفقهاء وعند أبي حنيفة لا يصلى للاستسقاء ولكن يدعى وخالفه أصحابه فوافقوا الجماعة وقالوا تصلى فيه ركعتان بجماعة واستدل لأبي حنيفة باستسقاء النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة ولم يصل للاستسقاء قالوا: لو كانت سنة لما تركها.
وفيه دليل على أن سنة الاستسقاء البروز إلى المصلى.
وفيه دليل على استحباب تحويل الرداء في هذه العبادة وخالف أبو حنيفة في ذلك وقيل: أن سبب التحويل التفاؤل بتغيير الحال وقال من احتج لأبي حنيفة إنما قلب رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع اليدين في الدعاء أو عرف من طريق الوحي تغير الحال عند تغيير رداءه.
قلنا: القلب من جهة إلى أخرى أو من ظهر إلى بطن لا يقتضي الثبوت على العاتق بل أي حالة اقتضت الثبوت أو عدمه في إحدى الجهتين وهو موجود في الأخرى وإن كان قد قرب من السقوط في تلك الحال فيمكن أن يثبته من غير قلب والأصل عدم ما ذكر من نزول الوحي تغيير الحال عند تغيير الرداء والاتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من تركه لمجرد احتمال الخصوص مع ما عرف في الشرع من محبة التفاؤل.
وفيه دليل على تقديم الدعاء على الصلاة ولم يصرح بلفظ الخطبة والخطبة عند مالك والشافعي بعد الصلاة وفي حديث عن أبي هريرة يقتضيه.
وفيه دليل على استقبال القبلة عند الدعاء مطلقا.
وفيه دليل على الجهر في هذه الصلاة والتحويل المذكور في الحديث يكتفي في تحصيل مسماه بمجرد القلب من اليمين إلى اليسار والله أعلم.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم. قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله تعالى يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا» قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل النرس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب الناس فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها عنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر», قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.
قال رحمه الله: الظراب: الجبال الصغار.
هذا هو الحديث الذي أشرنا إليه أنه استدل به لأبي حنيفة في ترك الصلاة والذي دل على الصلاة واستحبابها لا ينافي أن يقع مجرد الدعاء في حالة أخرى وإنما كان هذا الذي جرى في الجمعة مجرد دعاء وهو مشروع حيثما احتيج إليه ولا ينافي شرعية الصلاة في حالة أخرى إذا اشتدت الحاجة إليها.
وفي الحديث علم من أعلام النبوة في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيبه أو معه وأراد بالأموال: الأموال الحيوانية لأنها التي يؤثر فيها انقطاع المطر بخلاف الأموال الصامتة.
والسبل الطرق وانقطاعها إما بعدم المياه التي يعتاد المسافر ورودها وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض.
وفيه دليل على استحباب رفع اليدين في دعاء الاستسقاء فمن الناس من عداه إلى كل دعاء ومنهم من لم يعده لحديث عن أنس يقتضي ظاهره عدم عموم الرفع لما عدا الاستسقاء وفي حديث آخر استثناء ثلاثة مواضع منها الاستسقاء ورؤية البيت وقد أول ذلك على أن يكون المراد رفعا تاما في هذه المواضع وفي غيرها دونه بدليل أنه صح رفع اليدين عنه صلى الله عليه وسلم في غير تلك المواضع وصنف في ذلك شيخنا أبو محمد المنذري رحمه الله جزءا قرأته عليه.
والقزع: سحاب متفرق والقزعة واحدتها ومنها أخذ القزع في الرأس وهو أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه وسلع: جبل عند المدينة.
وقوله ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار تأكيد لقوله وما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة لأنه أخبر أن السحابة طلعت من وراء سلع فلو كان بينهم وبينها لأمكن أن تكون القزعة موجودة لكن حال بينهم وبين رؤيتهم ما بينهم وبين السلع من دار لو كانت.
وقوله ما رأينا الشمس سبتا أي جمعة وقد بين في رواية أخرى.
وقوله في الجمعة الثانية هلكت الأموال أي بكثرة المطر وفيه دليل على الدعاء لإمساك ضرر المطر كما استحب الدعاء لنزوله عند انقطاعه فإن الكل مضر.
والآكام: جمع أكم كأعناق جمع عنق والأكم جمع إكام مثل كتب جمع كتاب والإكام جمع أكم مثل جبال جمع جبل والأكم والأكمات جمع الأكمة وهي التل المرتفع من الأرض والظراب جمع ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي صغار الجبال.
وقوله: «بطون الأودية ومنابت الشجر» طلب لما يحصل المنفعة ويدفع المضرة وقوله وخرجنا نمشي في الشمس علم آخر من أعلام النبوة في الاستصحاء كما سبق مثله في الاستسقاء والله أعلم.