السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 باب التشهد:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

باب التشهد: Empty
مُساهمةموضوع: باب التشهد:   باب التشهد: I_icon_minitimeالأحد أغسطس 30, 2015 11:09 pm


.باب التشهد:

1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد- كفي بين كفيه- كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله».
2- وفي لفظ: «إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله- وذكره- وفيه: فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض- وفيه- فليتخير من المسألة ما شاء».
اختلف العلماء في حكم التشهد فقيل: إن الأخير واجب وهو مذهب الشافعي؟ وظاهر مذهب مالك: أنه سنة واستدل للوجوب بقوله فليقل والأمور للوجوب إلا أن مذهب الشافعي: أن مجموع ما توجه إليه ظاهر الأمر ليس بواجب بل الواجب بعضه وهو: (التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) من غير إيجاب ما بين ذلك من المباركات والصلوات الطيبات وكذلك أيضا لا يوجب كل ما بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم على اللفظ الذي توجه إليه الأمر بل الواجب بعضه واختلفوا فيه وعلل هذا الاقتصار على بعض ما في الحديث بأنه المتكرر في جميع الروايات وعليه إشكال لأن الزائد في بعض الروايات زيادة من عدل فيجب قبولها إذا توجه الأمر إليها.
واختلف الفقهاء في المختار من ألفاظ التشهد فإن الروايات اختلفت فيه فقال أبو حنيفة وأحمد: باختيار تشهد ابن مسعود هذا وقيل: إنه أصح ما روي في التشهد وقال الشافعي باختيار تشهد ابن عباس وهو في كتاب مسلم لم يذكره المصنف.
ورجح من اختار تشهد ابن مسعود- بعد كونه متفقا عليه في الصحيحين- بأن واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا وإذا أسقطت واو العطف كان ما عدا اللفظ الأول صفة له فيكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ فكان أولى.
وزاد بعض الحنفية في تقرير هذا بأن قال: لو قال والله والرحمن والرحيم لكانت أيمانا متعددة تتعدد بها الكفارة ولو قال: والله الرحمن الرحيم لكانت يمينا واحدة فيها كفارة واحدة هذا أو معناه.
ورأيت بعض من رجح مذهب الشافعي في اختيار تشهد ابن عباس أجاب عن هذا بأن قال: واو العطف قد تسقط وأنشد في ذلك:

كيف أصبحت كيف أمسيت مما


والمراد بذلك كيف أصبحت وكيف أمسيت وهذا أولا إسقاط للواو العاطفة في عطف الجمل ومسألتنا في إسقاطها في عطف المفردات وهو أضعف من إسقاطها في عطف الجمل ولو كان غير ضعيف لم يمتنع الترجيح بوقوع التصريح بما يقتضي تعدد الثناء بخلاف ما لم يصرح به فيه.
وترجيح آخر لتشهد ابن مسعود: وهو أن السلام معرف في تشهد ابن مسعود منكر في تشهد ابن عباس والتعريف أعم.
واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي علمه الناس على المنبر ورجحه وأصابه بشهرة هذا التعليم ووقوعه على رؤوس الصحابة من غير نكير فيكون كالإجماع.
ويترجح عليه تشهد ابن مسعود وابن عباس بأن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصرح به ورفع تشهد عمر بطريق استدلالي.
وقد رجح اختيار الشافعي لتشهد ابن عباس: بأن اللفظ الذي وقع فيه مما يدل على العناية بتعلمه وتعليمه وهو قوله كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وهذا ترجيح مشترك لأن هذا أيضا ورد في تشهد ابن مسعود كما ذكر المصنف.
ورجح اختيار الشافعي بأن فيه زيادة (المباركات) وبأنه أقرب إلى لفظ القرآن قال الله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61].
و(التحيات) جمع التحية وهي الملك وقيل: السلام وقيل: العظمة وقيل: البقاء فإذا حمل على السلام فيكون التقدير: التحيات التي تعظم بها الملوك مثلا مستحقة لله تعالى وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله تعالى به وإذا حمل على الملك والعظمة فيكون معناه الملك الحقيقي التام لله والعظمة الكاملة لله لأن ما سوى ملكه وعظمته تعالى فهو ناقص.
و(الصلوات) يحتمل أن يراد بها الصلوات المعهودة ويكون التقدير إنها واجبة لله تعالى لا يجوز أن يقصد بها غيره أو يكون ذلك إخبارا عن إخلاصنا الصلوات له أي إن صلواتنا مخلصة له لا لغيره ويحتمل أن يراد بالصلوات الرحمة ويكون معنى قوله لله أي المتفضل بها والمعطي هو الله لأن الرحمة التامة لله تعالى لا لغيره وقرر بعض المتكلمين في هذا فصلا بأن قال ما معناه إن كل من رحم أحدا فرحمته له بسبب ما حصل له عليه من الرقة فهو برحمته دافع لألم الرقة عن نفسه بخلاف رحمة الله تعالى فإنها لمجرد إيصال النفع إلى العبد.
وأما (الطيبات) فقد فسرت بالأقوال الطيبات ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى أعني:
الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف وطيب الأوصاف: بكونها بصفة الكمال وخلوصها عن شوائب النقص.
وقوله: (السلام عليك أيها النبي) قيل: معناه التعوذ باسم الله الذي هو السلام كما تقول: الله معك أي متوليك وكفيل بك وقيل: معناه السلام والنجاة لكم كما في قوله تعالى: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] وقيل الانقياد لك كما في قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وليس يخلو بعض هذا من ضعف لأنه لا يتعدى السلام ببعض هذه المعاني بكلمة على.
وقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) لفظ عموم وقد دل عليه قوله عليه السلام: «فإنه إذا قال ذلك: أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض» وقد كانوا يقولون: السلام على الله السلام على فلان حتى علموا هذه اللفظة من قبله عليه السلام.
وفي قوله عليه السلام: «فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح» دليل على أن للعموم صيغة وأن هذه الصيغة للعموم كما هو مذهب الفقهاء خلافا لمن توقف في ذلك من الأصوليين وهو مقطوع به من لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة عندنا ومن تتبع ذلك وجده واستدلالنا بهذا الحديث ذكر لفرد من أفراد لا يحصى الجمع لأمثالها لا للاقتصار عليه وإنما خص العباد الصالحون لأنه كلام ثناء وتعظيم.
وقوله عليه السلام: «ثم ليتخير من المسألة ما شاء» دليل على جواز كل سؤال يتعلق بالدنيا والآخرة إلا أن بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تقبح كما لو قال: اللهم أعطني امرأة صفتها كذا وكذا وأخذ يذكر أوصاف أعضائها ويستدل بهذا الحديث على عدم كون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركنا في التشهد من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم التشهد وأمر عقيبه أن يتخير من المسألة ما شاء ولم يعلم ذلك وموضع التعليم لا يؤخر وقت بيان الواجب عنه والله أعلم.
3- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله قد علمنا الله كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: كعب بن عجرة من بني سالم بن عوف وقيل: من بني الحارث من قضاعة شهد بيعة الرضوان ومات سنة اثنتين وخمسين بالمدينة فيما قيل روى له الجماعة كلهم.
الثاني: صيغة الأمر في قوله: «قولوا» ظاهرة في الوجوب وقد اتفقوا على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: تجب في العمر مرة وهو الأكثر وقيل تجب في كل صلاة في التشهد الأخير وهو مذهب الشافعي وقيل إنه لم يقله أحد قبله وتابعه إسحاق وقيل: تجب كلما ذكر واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية وليس في هذا الحديث تنصيص على أن هذا الأمر مخصوص بالصلاة وقد كثر الاستدلال على وجوبها في الصلاة بين المتفقهة بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة بالإجماع ولا تجب في غير الصلاة بالإجماع فتعين أن تجب في الصلاة وهو ضعيف جدا لأن قوله لاتجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد به: لا تجب في غير الصلاة علينا فهو صحيح لكنه لا يلزم منه: أنه تجب في غير الصلاة عينا لجواز أن يكون الواجب مطلق الصلاة فلا يجب واحد من المعينين- أعني خارج الصلاة وداخل الصلاة- وإن أراد ما هو أعم من ذلك- وهو الوجوب المطلق- فممنوع.
الثالث: في وجوب الصلاة على الآل وجهان عند أصحاب الشافعي وقد يتمسك من قال بالوجوب بلفظ الأمر.
الرابع: اختلفوا في (الآل) فاختار الشافعي: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وقال غيره: أهل دينه عليه السلام قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
الخامس: اشتهر بين المتأخرين سؤال وهو: أن المشبه دون المشبه به فكيف يطلب صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تشبه بالصلاة على إبراهيم؟.
والذي يقال فيه وجوه أحدها: أنه تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر وهذا كما اختاروا في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] أن المراد: أصل الصيام لا عينه ووقته وليس هذا بالقوي.
الثاني: أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلى الله عليه وسلم فكأن قوله: «اللهم صل على محمد» مقطوعا عن التشبيه وقوله: «وعلى آل محمد», متصل بقوله: «كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم» وفي هذا من السؤال: أن غير الأنبياء لا يمكن أن يساويهم فكيف يطلب وقوع ما لا يمكن وقوعه؟ وهاهنا يمكن أن يرد إلى أصل الصلاة ولا يرد عليه ما يرد على تقدير أن يكون المشبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله.
الثالث: أن المشبه: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله بالصلاة على إبراهيم وآله أي المجموع بالمجموع ومعظم الأنبياء عليهم السلام هم آل إبراهيم فإذا تقابلت الجملة بالجملة وتعذر أن يكون لآل الرسول عليه السلام مثل ما لآل إبراهيم- الذين هم الأنبياء- كان ما توفر من ذلك حاصلا للرسول صلى الله عليه وسلم فيكون زائدا على الحاصل لإبراهيم صلى الله عليه وسلم والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان فمن كانت في حقه أكثر كان أفضل.
الرابع: أن هذه الصلاة الأمر بها للتكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل فإذا اقتضت في كل مصل حصول صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه السلام كان الحاصل للنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى مجموع الصلاة أضعافا مضاعفة لا ينتهي إليها العد والإحصاء.
فإن قلت: التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة والفرد منها فالإشكال وارد.
قلت: متى يرد الإشكال: إذا كان الأمر للتكرار أو إذا لم يكن؟ الأول: ممنوع والثاني: مسلم ولكن هذا الأمر للتكرار بالاتفاق وإذا كان التكرار فالمطلوب من المجموع: حصول مقدار لا يحصى من الصلاة بالنسبة إلى المقدار الحاصل لإبراهيم عليه السلام.
الخامس: لا يلزم من مجرد السؤال لصلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه السلام المساواة أو عدم الرجحان عند السؤال وإنما يلزم ذلك لو لم يكن الثابت للرسول صلى الله عليه وسلم صلاة مساوية لصلاة إبراهيم أو زائدة عليها أما إذا كان كذلك فالمسؤول من الصلاة إذا انضم إلى الثابت المتكرر للرسول صلى الله عليه وسلم كان المجموع زائدا في المقدار على القدر المسؤول وصار هذا في المثال كما إذا ملك إنسان أربعة آلاف درهم وملك آخر ألفين فسألنا أن نعطي صاحب الأربعة آلاف مثل ما لذلك الآخر وهو الألفان فإذا حصل ذلك انضمت الألفان إلى أربعة آلاف فالمجموع ستة آلاف وهي زائدة على المسؤول الذي هو ألفان.
السادس من الكلام على الحديث: قوله إنك حميد مجيد بمعنى محمود ورد بصيغة المبالغة أي مستحق لأنواع المحامد ومجيد مبالغة من ماجد والمجد الشرف فيكون ذلك كالتعليل لاستحقاق الحمد بجميع المحامد ويحتمل أن يكون حميد مبالغة من حامد ويكون ذلك كالتعليل للصلاة المطلوبة فإن الحمد والشكر متقاربان فحميد قريب من معنى شكور وذلك مناسب لزيادة الأفضال والإعطاء لما يراد من الأمور العظام وكذلك والمجد والشرف مناسبته لهذا المعنى ظاهرة.
والبركة الزيادة والنماء من الخير والله أعلم.
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال».
وفي لفظ لمسلم: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم»- ثم ذكر نحوه.
في الحديث إثبات عذاب القبر وهو متكرر مستفيض في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان به واجب.
و«فتنة المحيا» ما يتعرض له الإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأشدها وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت.
و«فتنة الممات» يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إلى الموت لقربها منه وتكون فتنة المحيا- على هذا- ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الإنسان وتصرفه في الدنيا فإن ما قارب شيئا يعطى حكمه فحالة الموت تشبه بالموت ولا تعد من الدنيا ويجوز أن يكون المراد بفتنة الممات: فتنة القبر كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة القبر: «كمثل- أو أعظم- من فتنة الدجال» ولا يكون على هذا متكررا مع قوله من عذاب القبر لأن العذاب مرتب على الفتنة: والسبب غير المسبب ولا يقال: إن المقصود زوال عذاب القبر لأن الفتنة نفسها أمر عظيم وهو شديد يستعاذ بالله من شره.
والحديث الذي ذكره عن مسلم فيه زيادة كون الدعوات مأمورا بها بعد التشهد وقد ظهرت العناية بالدعاء بهذه الأمور حيث أمرنا بها في كل صلاة وهي حقيقة بذلك لعظم الأمر فيها وشدة البلاء في وقوعها ولأن أكثرها- أو كلها- أمور إيمانية غيبية فتكررها على الأنفس يجعلها ملكة لها.
وفي لفظ مسلم أيضا فائدة أخرى وهي: تعليم الاستعاذة وصيغتها فإنه قد كان يمكن التعبير عنها بغير هذا اللفظ ولو عبر بغيره لحصل المقصود وامتثل الأمر ولكن الأولى قول ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الظاهرية إلى وجوب هذا الدعاء في هذا المحل.
وليعلم أن قوله عليه السلام: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ» عام في التشهد الأول والأخير معا وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول وعدم استحباب الدعاء بعده حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه: ومن يكون إذا ورد تخصيصه بالأخير متمسكا لهم من باب حمل المطلق على المقيد أو من باب حمل العام على الخاص وفيه بحث أشرنا إليه فيما تقدم والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء فمن خصه فلابد له من دليل راجح وإن كان نصا فلابد من صحته والله أعلم.
5- عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم».
هذا الحديث يقضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين لمحله ولو فعل فيها- حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان- لجاز ولعل الأولى: أن يكون في أحد موطنين: إما السجود وإما بعد التشهد فإنهما الموضعان اللذان أمرنا فيهما بالدعاء قال عليه الصلاة والسلام: «وأما السجود: فاجتهدوا فيه في الدعاء» وقال في التشهد: «وليتخير بعد ذلك من المسألة ما شاء» ولعله يترجح كونه فيما بعد التشهد: لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل.
وقوله: «إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا» دليل على أن الإنسان لا يعرى من ذنب وتقصير كما قال عليه الصلاة والسلام: «استقيموا ولن تحصوا» وفي الحديث: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» وربما أخذوا ذلك من حيث الأمر بهذا القول مطلقا من غير تقييد وتخصيص بحالة فلو كان ثمة حالة لا يكون فيها ظلم ولا تقصير لما كان هذا الإخبار مطابقا للواقع فلا يؤمر به.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يغفر الذنوب إلا أنت» إقرار بوحدانية الباري تعالى واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار كما قال تعالى: «علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب» وقد وقع في هذا الحديث امتثال لما أثنى الله تعالى عليه في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يغفر الذنوب إلا أنت» كقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].
وقوله: «فاغفر لي مغفرة من عندك» فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون إشارة إلى التوحيد المذكورة كأنه قال: لا يفعل هذا إلا أنت فافعله أنت.
والثاني:- وهو الأحسن-: أن يكون إشارة إلى طلب المغفرة متفضل بها من عند الله تعالى ولا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره فهي رحمة من عنده بهذا التفسير ليس للعبد فيها سبب وهذا تبرؤ من الأسباب والإدلال بالأعمال والاعتقاد في كونها موجبة للثواب وجوبا عقليا والمغفرة الستر في لسان العرب والرحمة من الله تعالى- عند المنزهين من الأصوليين عن التشبيه- أما نفس الأفعال التي يوصلها الله تعالى من الإنعام والإفضال إلى العبد وأما إرادة إيصال تلك الأفعال إلى العبد فعلى الأول: هي من صفات الفعل وعلى الثاني هي من صفات الذات.
وقوله: «إنك أنت الغفور الرحيم» صفتان ذكرتا ختما للكلام على جهة المقابلة لما قبله فالغفور مقابل لقوله: «فاغفر لي» والرحيم مقابل لقوله: «ارحمني» وقد وقعت المقابلة هاهنا للأول بالأول والثاني بالثاني وقد يقع على خلاف ذلك بأن يراعي القرب فيجعل الأول للأخير وذلك على حسب اختلاف المقاصد وطلب التفنن في الكلام ومما يحتاج إليه في علم التفسير: مناسبة مقاطع الآي لما قبلها والله أعلم.
6- عن عائشة رضي الله عنها قال: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعد أن نزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]- إلا ويقول فيها: «سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي».
وفي لفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي».
حديث عائشة فيه مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى امتثال ما أمره الله تعالى به وملازمته لذلك.
وقوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3] فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد أن يسبح بنفس الحمد لما يتضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى وحده وفي ذلك نفي الشركة.
الوجه الثاني: أن يكون المراد: فسبح متلبسا بالحمد فتكون الباء دالة على الحال وهذا يترجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سبح وحمد بقوله «سبحانك وبحمدك» وعلى مقتضى الوجه الأول: يكتفي بالحمد فقط وكأن تسبيح الرسول على هذا الوجه دليلا على ترجيح المعنى الثاني.
وقوله: «وبحمدك» قيل معناه: وبحمدك سبحت وهذا يحتمل أن يكون فيه حذف أي بسبب حمد الله سبحت ويكون المراد بالسبب ههنا: التوفيق والإعانة على التسبيح واعتقاد معناه وهذا كما روى عن عائشة في الصحيح: «بحمد الله لا بحمدك» أي وقع هذا بسبب حمد الله أي بفضله وإحسانه وعطائه فإن الفضل والإحسان سبب للحمد فيعبر عنهما بالحمد.
وقوله: «اللهم اغفر لي» امتثال لقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3] بعد امتثال قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3] وأما اللفظ الآخر: فإنه يقتضي الدعاء في الركوع وإباحته ولا يعارضه قوله عليه السلام: «أما الركوع: فعظموا فيه الرب وأما السجود: فاجتهدوا فيه بالدعاء» فإنه من هذا الحديث الجواز ومن ذلك الأولوية بتخصيص الركوع بالتعظيم ويحتمل أن يكون السجود قد أمر فيه بتكثير الدعاء لإشارة قوله: «فاجتهدوا» واحتمالها للكثرة والذي وقع في الركوع من قوله: «اغفر لي» ليس كثيرا فليس فيه معارضة ما أمر به في السجود.
وفي حديث عائشة الأول سؤال وهو أن لفظة إذا تقتضي الاستقبال وعدم حصول الشرط حينئذ وقول عائشة: (ما صلى بعد أن نزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر:1]) يقتضي تعجيل هذا القول لقرب الصلاة الأولى التي هي عقيب نزول الآية من النزول والفتح أي فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا يحتاج إلى مدة أوسع من الوقت الذي بعد نزول الآية والصلاة الأولى بعده.
وقول عائشة في بعض الروايات يتأول القرآن قد يشعر بأنه يفعل ما أمر به فيه فإن كان الفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا حاصلا عند نزول الآية فكيف يقال فيها إذا جاء وإن لم يكن حاصلا فكيف يكون القول امتثالا للأمر الوارد بذلك ولم يوجد شرط الأمر به؟.
وجوابه: أن نختار أنه لم يكن حاصلا على مقتضى اللفظ ويكون صلى الله عليه وسلم قد بادر إلى فعل المأمور به قبل وقوع الزمن الذي تعلق به الأمر فيه إذ ذلك عبادة بادر إلى فعل المأمور به قبل وقوع الزمن الذي تعلق به الأمر فيه إذ ذلك عبادة وطاعة لا تختص بوقت معين فإذا وقع الشرط كان الواقع من هذا القول- بعد وقوعه- واقعا على حسب الامتثال وقبل وقوع الشرط واقعا على حسب التبرع وليس في قول عائشة يتأول القرآن ما يقتضي- ولابد- أن يكون جميع قوله صلى الله عليه وسلم على جهة الامتثال للمأمور حتى يكون دالا على وقوع الشرط بل مقتضاه: أن يفعل تأويل القرآن وما دل عليه لفظ فقط وجاز أن يكون بعض هذا القول فعلا لطاعة مبتدأة وبعضه امتثالا للأمر والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
باب التشهد:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب الصلاة: :: باب التشهد:-
انتقل الى: