السلف الصالح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوالتابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذالأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 26/08/2015
الموقع : ليبيا /بنغازي

باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: Empty
مُساهمةموضوع: باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:   باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: I_icon_minitimeالأحد أغسطس 30, 2015 2:36 pm

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقل: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة: ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد».
تقدم القول في أن كان تشعر بكثرة الفعل أو المداومة عليه وقد تستعمل في مجرد وقوعه.
وهذا الحديث: يدل لمن قال باستحباب الذكر بين التكبير والقراءة فإنه دل على استحباب هذا الذكر والدال على المقيد دال على المطلق فينافي ذلك كراهية المالكية فيما بين التكبير والقراءة ولا يقتضي استحباب ذكر آخر معين.
وفيه دليل لمن قال باستحباب هذه السكتة بين التكبير والقراءة والمراد بالسكتة ههنا: السكوت عن الجهر لا عن مطلق القول أو عن قراءة القرآن لا عن الذكر.
وقوله: «ما تقول؟» يعشر بأنه فهم أن هناك قولا فإن السؤال وقع بقوله: «ما تقول؟» ولم يقع بقوله: هل تقول؟ والسؤال بهل مقدم على السؤال بما هاهنا ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته.
وقوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» عبارة: إما عن محورها وترك المؤاخذة بها وإما عن المنع من وقوعها والعصمة منها وفيه مجازان:
أحدهما: استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة أو في العصمة منها والمباعدة في الزمان أو في المكان في الأصل.
والثاني: استعمال المباعدة في الإزالة الكلية فإن أصلها لا يقتضي الزوال وليس المراد هاهنا البقاء مع البعد ولا ما يطابقه من المجاز وإنما المراد الإزالة بالكلية.
وكذلك التشبيه بالمباعدة بين المشرق والمغرب المقصود منها ترك المؤاخذة أو العصمة.
وقوله: «اللهم نقني من خطاياي إلى قوله من الدنس» مجاز كما تقدم عن زوال الذنوب وأثرها ولما كان ذلك أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به.
وقوله: «اللهم اغسلني» إلى آخره يحتمل أمرين بعد كونه مجازا عما ذكرناه.
أحدهما: أن يراد بذلك التعبير عن غاية المحو أعني بالمجموع فإن الثوب الذي تتكرر عليه التنقية بثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء.
الوجه الثاني: أن يكون كل واحد من هذه الأشياء مجازا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك كقوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] فكل واحدة من هذه الصفات- أعني: العفو والمغفرة والرحمة- لها اثر في محو الذنب فعلى هذا الوجه: ينظر إلى الأفراد ويجعل كل فرد من أفراد الحقيقة دالا على معنى فرد مجازي وفي الوجه الأول: لا ينظر إلى أفراد الألفاظ بل تجعل جملة اللفظ دالة على غاية المحو للذنب.
2- عن عائشة رضي الله عنها قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك. وكان إذا رفع رأسه من الركوع: لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة: لم يسجد حتى يستوي قاعدا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم).
[كلام المستملي].
هذا الحديث سها المصنف في إيراده في هذا الكتاب فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري فرواه من حديث الحسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها وشرط الكتاب: تخريج الشيخين للحديث اهـ.
قولها: (كان يستفتح الصلاة بالتكبير) قد تقدم الكلام على لفظة كان فإنها قد تستعمل في مجرد وقوع الفعل وهذا الحديث- مع حديث أبي هريرة- قد يدل على ذلك فإنها قد استعملت في أحدهما على غير ما استعملت في الآخر فإن حديث أبي هريرة: إن اقتضى المداومة أو الأكثرية على السكوت وذلك الذكر وهذا الحديث يقتضي المداومة- أو الأكثرية- لافتتاح الصلاة بعد التكبير بالحمد لله رب العالمين تعارضا.
وهذا البحث مبنى على أن يكون لفظ القراءة مجرورا فإن كانت لفظة كان لا تدل على الكثيرة فلا تعارض إذا قد يكثران جميعا وهذه الأفعال التي تذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قد استدل الفقهاء بكثير منها على الوجوب لا لأن الفعل يدل على الوجوب بل لأنهم يرون أن قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} خطاب مجمل مبين للفعل والفعل المبين للمجمل المأمور به: يدخل تحت الأمر فيدل مجموع ذلك على الوجوب وإذا سلكت هذه الطريقة وجدت أفعالا غير واجبة فلابد أن يحال ذلك على دليل آخر دل على عدم الوجوب.
وفي هذا الاستدلال بحث وهو أن يقال: الخطاب المجمل يتبين بأول الأفعال وقوعا فإذا تبين بذلك الفعل لم يكن ما وقع بعده بيانا لوقوع البيان بالأول فيبقى فعلا مجردا لا يدل على الوجوب اللهم إلا أن يدل دليل على وقوع ذلك الفعل المستدل به بيانا فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجود ذلك الدليل بل قد يقوم الدليل على خلافه كرواية من رأى فعلا للنبي صلى الله عليه وسلم وسبقت له صلى الله عليه وسلم مدة يقيم الصلاة فيها وكان هذا الراوي الرائي من أصاغر الصحابة الذين حصل تمييزهم ورؤيتهم بعد إقامة الصلاة مدة فهذا مقطوع بتأخره وكذلك من أسلم بعد مدة إذا أخبر برؤيته للفعل وهذا ظاهر في التأخير وهذا تحقيق بالغ.
وقد يجاب عنه بأمر جدلي لا يقوم مقامه وهو أن يقال: دل الحديث المعين على وقوع هذا الفعل والأصل عدم غيره وقوعا بدلالة الأصل فينبغي أن يكون وقوعه بيانا وهذا قد يقوي إذا وجدنا فعلا ليس فيه شيء مما قام الدليل على عدم وجوبه فأما إذا وجد فيه شيء من ذلك فإذا جعلناه مبينا بدلالة الأصل على عدم غيره ودل الدليل على عدم وجوبه: لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت أولا فيه: ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ.
وقولها: (وكان يفتتح الصلاة بالتكبير) يدل على أموين:
أحدها: أن الصلاة تفتتح بالتحريم أعني ما هو أعم من التكبير بمعنى أنه لا يكتفي بالنية في الدخول فيها فإن التكبير تحريم مخصوص والدال على وجود الأخص دال على وجود الأعم وأعني بالأعم ههنا: هو المطلق ونقل بعض المتقدمين خلافه وربما تأوله بعضهم على مالك والمعروف خلافه عنه وعن غيره.
الثاني: أن التحريم يكون بالتكبير خصوصا وأبو حنيفة يخالف فيه ويكتفي بمجرد التعظيم كقوله الله أجل أو أعظم والاستدلال على الوجوب بهذا الفعل إما على الطريقة السابقة من كونه بيانا للمجمل وفيه ما تقدم وإما بأن يضم إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقد فعلوا ذلك في مواضع كثيرة واستدلوا على الوجوب بالفعل مع هذا القول أعني قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهذا إذا أخذ مفردا عن ذكر سببه وسياقه: أشعر بأنه خطاب للأمة بأن يصلوا كما صلى صلى الله عليه وسلم فيقوي الاستدلال بهذه الطريقة على كل فعل ثبت أنه فعله في الصلاة وإنما هذا الكلام قطعة من حديث مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون- فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عمن تركنا من أهلنا؟ فأخبرناه فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم فإذا حضرت الصلاة فيؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم» زاد البخاري: «وصلوا كما رأيتموني أصلي» فهذا خطاب لمالك وأصحابه بأن يوقعوا الصلاة على ذلك الوجه الذي رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ويشاركهم في هذا الخطاب كل الأمة في أن يوقعوا الصلاة على ذلك الوجه فما ثبت استمرار فعل النبي صلى الله عليه وسلم عليه دائما: دخل تحت الأمر وكان واجبا وبعض مقطوع به أي مقطوع باستمرار فعله له وما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها- لا يجزم بتناول الأمر له وهذا أيضا يقال فيه من الجدل ما أشرنا إليه.
وقولها: (والقراءة بالحمد لله رب العالمين) تمسك به مالك وأصحابه في ترك الذكر بين التكبير والقراءة فإنه لو تخلل ذكر بينهما لم يكن الاستفتاح بالقراءة بالحمد لله رب العالمين وهذا على أن تكون القراءة مجرورة لا منصوبة واستدل به أصحاب مالك أيضا على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة وتأوله غيرهم على أن المراد: يفتتح بسورة الفاتحة قبل غيرها من السور وليس بقوي لأنه عن أجرى مجرى الحكاية فذلك يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه فلا يكون قبله غيره لأن ذلك الغير يكون هو المفتتح به وإن جعل اسما فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بل تسمى بسورة الحمد فلو كان لفظ الرواية كان يفتتح بالحمد لقوي هذا المعنى فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث.
وقولها: (وكان إذا ركع لم يشخص رأسه) أي لم يرفعه ومادة اللفظ تدل على الارتفاع ومنه: أشخص بصره إذا رفعه نحو جهة العلو ومنه الشخص لارتفاعه للأبصار ومنه: شخص المسافر: إذا خرج من منزله إلى غيره ومنه ما جاء في بعض الآثار فشخص بي أي أتاني ما يقلقني كأنه رفع من الأرض لقلقه.
وقولها: (ولم يصوبه) أي لم ينكسه ومن الصيب: المطر صاب يصوب إذا نزل قال الشاعر:

فلست لإنسي ولكن لملأك ** تنزل من جو السماء يصوب


ومن أطلب الصيب على الغيم فهو من باب المجاز لأنه سبب الصيب الذي هو المطر.
وقولها: (ولكن بين ذلك) إشارة إلى المسنون في الركوع وهو الاعتدال واستواء الظهر والعنق.
وقولها: (وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما) دليل على الرفع من الركوع والاعتدال فيه والفقهاء اختلفوا في وجوب ذلك على ثلاثة أقوال الثالث: يجب ما هو إلى الاعتدال أقرب وهذا عندنا من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها أعني الرفع من الركوع.
وأما قولها: (وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا) يدل على الرفع من السجود وعلى الاستواء في الجلوس بين السجدتين فأما الرفع: فلابد منه لأنه لا يتصور تعدد السجود إلا به بخلاف الرفع من الركوع فإن الركوع غير متعدد وسها بعض الفضلاء المتأخرين فذكر ما ظاهره الخلاف في الرفع من الركوع والاعتدال فيه فلما ذكر السجود قال: الرفع من السجود والاعتدال فيه والطمأنينة كالركوع فاقتضى ظاهر كلامه: أن.
الخلاف في الرفع من الركوع جار في الرفع من السجود وهذا سهو عظيم لأنه لا يتصور خلاف في الرفع من السجود إذ السجود متعدد شرعا ولا يتصور تعدده إلا بالرفع الفاصل بين السجدتين.




وقولها: (وكان يقول في كل ركعتين التحية) أطلقت لفظ التحية على التشهد كله من باب إطلاق اسم الجزء على الكل وهذا الموضع مما فارق فيه الاسم المسمى فإن التحية الملك أو البقاء أو غيرهما على ما سيأتي وذلك لا يتصور قوله وإنما يقال اسمه الدال عليه وهذا بخلاف قولنا: أكلت الخبز وشربت الماء فإن هناك أريد به المسمى وأما لفظة الاسم: فقد قيل فيها: إن الاسم هو المسمى وفيه نظر دقيق.
وقولها: (وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى) يستدل به أصحاب أبي حنيفة على اختيار هذه الهيئة للجلوس للرجل.
ومالك اختار التورك وهو أن يفضي بوركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى.
والشافعي فرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير ففي الأول اختار الافتراش على التورك وفي الثاني اختار التورك وقد ورد أيضا هيئة التورك فجمع الشافعي بين الحديثين فحمل الافتراش على الأول وحمل التورك على الثاني وقد ورد ذلك مفصلا في بعض الأحاديث ورجح من جهة المعنى بأمرين ليسا بالقويين.
أحدهما: أن المخالفة في الهيئة قد تكون سببا للتذكر عند الشك في كونه في التشهد الأول أو في التشهد الأخير.
والثاني: والثاني أن الافتراش هيئة استيفاز فناسب أن تكون في التشهد الأول لأن المصلي مستوفز للقيام والتورك هيئة اطمئنان فناسب الأخير والاعتماد على النقل أولى.
وقولها وكان ينهى عن عقبة الشيطان ويروى عن عقب الشيطان ز وفسر بأن يفرش قدميه ويجلس بإليته على عقبيه وقد سمي ذلك أيضا الإقعاء.
وقولها وينهى أن يفترش إلى قولها السبع وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود والسنة: أن يرفعهما ويكون الموضوع على الأرض كفيه فقط.
وقولها وكان يتم الصلاة بالتسليم أكثر الفقهاء على تعيين التسليم للخروج من الصلاة للفعل المواظب عليه ولا يدل الحديث على أكثر من مسمى السلام وقد يؤخذ من هذا أن التسليم من الصلاة لقولها: وكان يختم الصلاة بالتسليم وليس بالتشديد الظهور في ذلك وأبو حنيفة يخالف فيه.
3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» وكان لا يفعل ذلك في السجود.
اختلف الفقهاء في رفع اليدين في الصلاة على مذاهب متعددة.
فالشافعي قال بالرفع في هذه الأماكن الثلاثة أعني في افتتاح الصلاة والركوع والرفع من الركوع وحجته هذا الحديث وهو من أقوى الأحاديث سندا.
وأبو حنيفة لا يرى الرفع في غير الافتتاح.
وهو المشهور عند أصحاب مالك والمعمول به عند المتأخرين منهم واقتصر الشافعي على الرفع في هذه الأماكن الثلاثة لهذا الحديث وقد ثبت الرفع عند القيام من الركعتين وقياس نظره: أن يسن الرفع في ذلك المكان أيضا لأنه لما قال بإثبات الرفع في الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من روى الرفع عند التكبير فقط وجب أيضا أن يثبت الرفع عند القيام من الركعتين فإنه زائد على من أثبت الرفع في هذه الأماكن الثلاث فقط والحجة واحدة في الموضعين.

وأول راض سيرة من يسيرها


والصواب والله أعلم استحباب الرفع عند القيام من الركعتين لثبوت الحديث فيه.
وأما كونه مذهبا للشافعي لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي أو ما هذا معناه ففي ذلك نظر ولما ظهر بعض لبعض الفضلاء المتأخرين من المالكية قوة الرفع في الأماكن الثلاثة على حديث ابن عمر: اعتذر عن تركه في بلاده فقال: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه فيهما أي في الركوع والرفع منه ثبوتا لا مرد له صحة فلا وجه للعدول عنه إلا أن في بلادنا هذه يستحب للعالم تركه لأنه إن فعله نسب إلى البدعة وتأذى في عرضه وربما تعددت الأذية إلى بدنه فوقاية العرض والبدن بترك سنة واجب في الدين.
وقوله حذو منكبيه هو اختيار الشافعي في منتهى الرفع وأبو حنيفة اختار الرفع إلى حذو الأذنين وفيه حديث آخر يدل عليه ورجح مذهب الشافعي بقوة السند لحديث ابن عمر وبكثرة الرواة لهذا المعنى فروي عن الشافعي أنه قال: وروى هذا الخبر بضعة عشر نفسا من الصحابة وربما سلك طريق الجمع فحمل خبر ابن عمر على أن يرفع يديه حتى حاذى كفاه منكبيه والخبر الآخر على أنه رفع يديه حتى حاذت أطراف أصابعه أذنيه وقيل: إنه رويت رواية من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ويحاذي بإبهاميه أذنيه).
واختلف أصحاب الشافعي متى يبتدأ التكبير؟ فمنهم من قال: يبتدأ التكبير مع ابتداء رفع اليدين ويتم التكبير مع انتهاء إرسال اليدين ونسب هذا إلى رواية وائل بن حجر وقد نقل في رواية وائل بن حجر: استقبل النبي صلى الله عليه وسلم وكبر فرفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه وهذه الرواية لا تدل على ما نسب إلى رواية وائل بن حجر وفي رواية لأبي داود فيها بعض مجهولين لفظها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير) وهذا أقرب في الدلالة وفي رواية أخرى لأبي داود فيها انقطاع أنه: (أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهامه أذنيه ثم كبر) وفي رواية أخرى أجود من هاتين «وكان إذا كبر رفع يديه» وهذه محتملة لأنا إذا قلنا فلان فعل احتمل أن يراد شرع بالفعل ويحتمل أن يراد فرغ منه ويحتمل أن يراد جملة الفعل ومن أصحاب الشافعي من قال: يرفع اليدين غير مكبر ثم يكبر ثم يرسل اليدين بعد ذلك وهذا إلى رواية ابن عمر.
وهذه الرواية التي ذكرها المصنف ظاهرها عندي مخالف لما نسب إلى رواية ابن عمر فإنه جعل افتتاح الصلاة ظرفا لرفع اليدين فإما أن يحتمل الافتتاح على أول جزء من التكبير فينبغي أن يكون رفع اليدين معه وصاحب هذا القول يقول: يرفع اليدين غير مكبر وإما أن يحمل الافتتاح على التكبير كله فأيضا لا يقتضي أن يرفع اليدين غير مكبر.
وقوله:وقال: «سمع الله لمن حمده» ربنا لك الحمد يقتضي جمع الإمام بين الأمرين فإن الظاهر أن ابن عمر إنما حكى وروى عن حالة الإمامة فإنها الحالة الغالبة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها نادر جدا وإن حمل اللفظ على العموم دخل فيه المنفرد والإمام وقد فسر قوله سمع الله لمن حمده أي استجاب الله دعاء من حمده وقد تقدم الكلام في إثبات الواو وحذفها وقوله وكان لا يفعل ذلك في السجود يعني الرفع وكأنه يريد بذلك عند ابتداء السجود أو عند الرفع منه وحمله على الابتداء أقرب وأكثر الفقهاء على القول بهذا الحديث وأنه لا يسن رفع اليدين عند السجود وخالف بعضهم في ذلك وقال: يرفع لحديث ورد فيه وهذا مقتضى ما ذكرناه في القاعدة وهو القول بإثبات الزيادة وتقديمها على من نفاها أو سكت عنها والذين تركوا الرفع في السجود سلكوا مسلك الترجيح لرواية ابن عمر في ترك الرفع في السجود والترجيح إنما يكون عند التعارض ولا تعارض بين رواية من أثبت الزيادة وبين من نفاها أو سكت عنها إلا أن يكون النفي والإثبات منحصرين في جهة واحدة فإن ادعي ذلك في حديث ابن عمر والحديث الآخر وثبت اتحاد الوقتين: فذاك.
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: أنه سمى كل واحد من هذه الأعضاء عظما باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد منها على عظام ويحتمل أن يكون ذلك من باب تسمية الجملة باسم بعضها.
الثاني: ظاهر الحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء لأن الأمر للوجوب والواجب عند الشافعي منها الجبهة لم يتردد قوله فيه واختلف قوله في اليدين والركبتين والقدمين وهذا الحديث يدل للوجوب وقد رجح بعض أصحابه عدم الوجوب ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قوي أقوى من دلالته فإنه استدل لعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رفاعة ثم يسجد فيمكن جبهته وهذا غايته أن تكون دلالته دلالة مفهوم وهو مفهوم لقب أو غاية والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم كما مر لنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» مع قوله «جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا» فإنه ثمة يعمل بذلك العموم من وجه إذا قدمنا دلالة المفهوم وهاهنا إذا قدمنا دلالة المفهوم: أسقطنا الدليل الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء أعني اليدين والركبتين والقدمين مع تناول اللفظ لها بخصوصها.
وأضعف من هذا: ما استدل به على عدم الوجوب من قوله صلى الله عليه وسلم: «سجد وجهي للذي خلقه» قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه.
وأضعف من هذا: الاستدلال على عدم الوجوب بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة فإن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى فلا تترك.
وأضعف من هذا: المعارضة بقياس شبهي ليس بقوي مثل أن يقال: أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء سوى الجبهة.
وقد رجح المحاملي من أصحاب الشافعي القول بالوجوب وهو أحسن عندنا من وقل من رجح عدم الوجوب.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه سجد على الأنف وحده كفاه وهو قول مذهب مالك وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الواجب السجود على الجبهة والأنف معا وهو قول في مذهب مالك أيضا ويحتج لهذا المذهب بحديث ابن عباس هذا فإن في بعض طرقه «الجبهة والأنف معا» وفي هذه الطريق التي ذكرها المصنف «الجبهة» وأشار بيده إلى أنفه فقيل: معنى ذلك: انهما جعلا كالعضو الواحد ويكون الأنف كالتبع للجبهة واستدل على هذا بوجهين:
أحدهما: أنه لو كان كعضو منفرد عن الجبهة حكما لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها ثمانية لا سبعة فلا يطابق العدد المذكور في أول الحديث.
الثاني: أنه قد اختلفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف فإذا جعلا كعضو واحد أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر فتطابق الإشارة العبارة وربما استنتج من هذا: أنه إذا سجد على الأنف وحده أجزاه لأنهما إذا جعلا كعضو واحد كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة فيجزئ.
والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة والأنف لكونهما داخلين تحت الأمر وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد من حيث العدد المذكور لذلك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر.
وأيضا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه فإنها إنما تتعلق بالجبهة فإذا تقارب ما في الجهة أمكن أن لا يتعين المشار إليه يقينا وأما اللفظ: فإنه معين لما وضع له فتقديمه أولى.
الثالث: المراد باليدين- هاهنا- الكفان وقد اعتقد قوم أن مطلق لفظ اليدين يحمل عليهما كما في قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] واستنتجوا من ذلك: أن التيمم إلى الكوعين وعلى كل تقدير: فسواء صح هذا أم لا فالمراد ههنا: الكفان لأنا لو حملناه على بقية الذراع: لدخل المنهي عنه من افتراش الكلب أو السبع ثم تصرف الفقهاء بعد ذلك فقال بعض مصنفي الشافعية: إن المراد الراحة أو الأصابع ولا يشترط الجمع بينهما بل يكفي أحدهما ولو سجد على ظهر الكف لم يجزه هذا معنى ما قال.
الرابع: قد يستدل بهذا على أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء فإن مسمى السجود يحصل بالوضع فمن وضعها فقد أتى بما أمر به فوجب أن يخرج عن العدة وهذا يلتفت إلى بحث أصولي وهو أن الإجزاء في مثل هذا هل هو راجح إلى اللفظ أم أن الأصل عدم وجوب الزائد على الملفوظ به مضموما إلى فعل المأمور به؟.
وحاصله: أن فعل المأمور به: هل هو علة الإجزاء أو جزء علة الإجزاء؟ ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب وكذلك القدمان.
أما الأول: فلما يحذر فيه من كشف العورة.
وأما الثاني- وهو عدم كشف القدمين- فعليه دليل لطيف جدا لأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة مع الخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفين وانتقضت الطهارة وبطلت الصلاة وهذا باطل ومن نازع في انتقاض الطهارة بنزع الخف فيدل عليه بحديث صفوان الذي فيه «أمرنا أن لا ننزع خفافنا»- إلى آخره.
فتقول: لو وجب كشف القدمين لناقضه إباحة عدم النزع في هذه المدة التي دل عليها لفظ أمرنا المحمولة على الإباحة وأما اليدان: فللشافعي تردد في وجوب كشفهما.

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: «سمع الله لمن حمده» حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم: «ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه يدل على إتمام التكبير بأن يوقع في كل خفض ورفع مع التسميع في الرفع من الركوع وقد اتفق الفقهاء على هذا بعد أن كان وقع فيه خلاف لبعض المتقدمين وفيه رواه النسائي: «أنه كان يتم التكبير».
الثاني: قوله: «يكبر حين يقوم» يقتضي إيقاع التكبير في حال القيام ولا شك أن القيام واجب في الفرائض للتكبير وقراءة الفاتحة- عند من يوجبها- مع القدرة فكل انحناء يمنع اسم القيام عند التكبير: يبطل التحريم ويقتضي عدم انعقاد الصلاة فرضا.
وقوله: «ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة» يدل على جمع الإمام بين التسميع والتحميد لما ذكرنا: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الموصوفة محمولة على حال الإمامة للغلبة ويدل على أن التسميع يكون حين الرفع والتحميد بعد الاعتدال.
وقد ذكرنا أن الفعل قد يطلق على ابتدائه وعلى انتهائه وعلى جملته حال مباشرته ولا بأس بأن يحمل قوله: «يقول حين يرفع صلبه» على حركته حالة المباشرة ليكون الفعل مستصحبا في جميعه للذكر.
الثالث: قوله يكبر حين يقوم- إلى آخره اختلفوا في وقت هذا التكبير فاختار بعضهم أن يكون عند الشروع في النهوض وهو مذهب الشافعي واختار بعضهم أن يكون عند الاستواء قائما وهو مذهب مالك فإن حمل قوله حين يرفع على ابتداء الرفع وجعل ظاهرا فيه: دل ذلك لمذهب الشافعي ويرجح من جهة المعنى بشغل زمن الفعل بالذكر والله أعلم.
6- عن مطرف بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضي الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين وقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم- أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.
مطرف بن عبد الله بن الشخير- مكسور الشين المعجمة مشدد الخاء المكسورة وآخره راء- أبو عبد الله العامري يقال: إنه من بني الحريش- بفتح الحاء المهملة وكسر الراء المهملة وآخره شين معجمة- والحريش من بني عامر بن صعصعة مات سنة خمس وتسعين متفق على إخراج حديثه في الصحيحين.
والحديث يدل على التكبير في الحالات المذكورة فيه وإتمام التكبير في حالات الانتقالات وهو الذي استمر عليه عمل الناس وأئمة فقهاء الأمصار وقد كان فيه من بعض السلف خلاف على ما قدمنا فمنهم من اقتصر على تكبيرة الإحرام ومنهم من زاد عليها من غير إتمام والذي اتفق الناس عليه بعد ذلك: ما ذكرناه.
وأما حكم تكبيرات الانتقال وهل هي واجبة أم لا؟ فذلك مبني على أن الفعل للوجوب أم لا؟ وإذا قلنا: إنه ليس للوجوب رجع إلى ما تقدم البحث فيه من أنه بيان للمجمل أم لا؟ فمن هاهنا مأخذ من يرى الوجوب- والأكثرون على الاستحباب- وإذا قلنا بالاستحباب: فهل يسجد للسهو إذا ترك منها شيئا ولو واحدة أو لا يسجد ولو ترك الجميع أو لا يسجد حتى يترك متعددا منها؟ اختلفوا فيه وليس له بهذا الحديث تعلق إلا أن يجعل مقدمة فيستدل به على أنه سنة ويضم إليه مقدمة أخرى: أن ترك السنة يقتضي السجود إن ثبت على ذلك دليل فيكون المجموع دليلا على السجود.
وأما التفرقة بين أن يكون المتروك مرة أو أكثر: فراجع إلى الاستحسان وتخفيف أمر المرة الواحدة ومذهب الشافعي: إن تركها لا يوجب السجود.
7- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريبا من السواء).
وفي رواية البخاري: «ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء».
قوله: «قريبا من السواء» قد يقتضي: إما تطويل ما العادة فيه التخفيف أو تخفيف ما العادة فيه التطويل إذا كان ثم عادة متقدمة وقد ورد ما يقتضي التطويل في القيام كقراءة ما بين الستين إلى المائة وكما ورد في التطويل في قراءة الظهر بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها وقد تكلم الفقهاء في الأركان الطويلة والقصيرة واختلفوا في الرفع من الركوع: هل هو ركن طويل أو قصير؟ ورجح أصحاب الشافعي: أنه ركن قصير وفائدة الخلاف فيه: أن تطويله يقطع الموالاة الواجبة في الصلاة ومن هذا قال بعض أصحاب الشافعي: إنه إذا طوله بطلب الصلاة وقال بعضهم: لا تبطل حتى ينقل إليه ركنا كقراءة الفاتحة أو التشهد.
وهذا الحديث يدل على أن الرفع من الركوع ركن طويل لأنه لا يتأتى أن تكون القراءة في الصلاة- فرضها ونفلها- بمقدار ما إذا فعل في الرفع من الركوع كان قصيرا وهذا الذي ذكر في الحديث- من استواء الصلاة- ذهب بعضهم إلى أنه الفعل المتأخر بعد ذلك التطويل وقد ورد في بعض الأحاديث: «وكانت صلاته بعد تخفيفا».
والذي ذكره المصنف عن رواية البخاري وهو قوله: «ما خلا القيام والقعود..» إلى آخره وذهب بعضهم إلى تصحيح هذه الرواية دون الرواية التي ذكر فيها القيام ونسب رواية ذكر القيام إلى الوهم وهذا بعيد عندنا لأن توهيم الراوي الثقة على خلاف الأصل- لاسيما إذا لم يدل دليل قوي- لا يمكن الجمع بينه وبين الزيادة على كونها وهما وليس هذا من باب العموم والخصوص حتى يحمل العام على الخاص فيما عدا القيام فإنه قد صرح في حديث البراء في تلك الرواية بذكر القيام.
ويمكن الجمع بينهما بأن يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كان مختلفا فتارة يستوي الجميع وتارة يستوي ما عدا القيام والقعود وليس في هذا إلا أحد أمرين: إما الخروج عما تقتضيه لفظة كان إن كانت وردت من المداومة أو الأكثرية وإما أن يقال: الحديث واحد اختلفت رواته عن واحد فيقتضي ذلك التعارض ولعل هذا هو السبب الذي دعا من ذكرنا عنه أنه نسب تلك الرواية إلى الوهم ممن قاله.
وهذا الوجه الثاني أعني اتحاد الرواية أقوى من الأولى في وقوع التعارض وإن احتمل غير ذلك على الطريقة الفقهية.
ولا يقال: إذا وقع التعارض فالذي أثبت التطويل في القيام لا يعارضه من نفاه فإن المثبت مقدم على النافي.
لأنا نقول الرواية الأخرى تقتضي بنصها عدم التطويل في القيام وخروج تلك الحالة- أعني حالة القيام والقعود- عن بقية حالات أركان الصلاة فيكون النفي والإثبات إذا انحصرا في محل واحد تعارضا إلا أن يقال باختلاف هذه الأحوال بالنسبة إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يبقى فيها انحصار في محل واحد بالنسبة إلى الصلاة ولا يعترض على هذا إلا بما قدمناه من مقتضى لفظة كان أن وجدت في حديث أو كون الحديث واحدا عن مخرج واحد اختلف فيه فلينظر ذلك في الروايات ويحقق الاتحاد أو الاختلاف في مخرج الحديث والله أعلم.
8- عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله قال: (إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا) قال ثابت: (فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل: قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل قد نسي).
قوله لا آلو أي لا أقصر وقد قيل: إن الألو يكون بمعنى التقصير وبمعنى الاستطاعة معا والسياق يرشد إلى المراد والألو على مثال: العتو ويقال: الألي على مثال العتي والماضي ألا وقد يقال في هذا المعنى ألا بالتشديد.
وقوله أن أصلي أي في أن أصلي وتقديم أنس رضي الله عنه لهذا الكلام أمام روايته: ليدل السامعين على التحفظ لما يأتي به ويحقق عندهم المراقبة لاتباع أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث: أصرح في الدلالة على أن الرفع من الركوع ركن طويل بل هو- والله أعلم- نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف ذكر في أنه ركن قصير وهو ما قيل: إنه لم يسن فيه تكرار التسبيحات على الاسترسال كما سنت القراءة في القيام والتسبيحات في الركوع والسجود مطلقا.
9- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10- عن أبي قلابة- عبد الله بن زيد الجرمي البصري- قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض.
أراد بشيخهم: أبا بريد- عمرو بن سلمة الجرمي- ويقال أبو يزيد.
حديث أنس بن مالك: يدل على طلب أمرين في الصلاة: التخفيف في حق الإمام مع الإتمام وعدم التقصير وذلك هو الوسط العدل والميل إلى أحد الطرفين خروج عنه أما التطويل في حق الإمام: فإضرار بالمأمومين وقد تقدم ذلك التصريح بعلته وأما التقصير عن الإتمام: فبخس لحق العبادة ولا يراد بالتقصير ههنا: ترك الواجبات فإن ذلك مفسدة موجب للنقص الذي يرفع حقيقة الصلاة وإنما المراد- والله أعلم- التقصير عن المسنونات والتمام بفعلها.
والكلام على حديث أبي قلابة من وجوه:
أحدها: أن هذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم وليس من شرط هذا الكتاب وأيضا فإن البخاري خرجه من طرق منها رواية وهيب وأكثر ألفاظ هذا الرواية التي ذكرها المصنف: هي رواية وهيب وفي آخرها في كتاب البخاري: «وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام» وفي رواية خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي: «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان في وتر من صلاته: لم ينهض حتى يستوي قاعدا».
الثاني: مالك بن الحويرث ويقال: ابن الحارث ويقال: حويرثة والأول أصح- أحد من سكن البصرة من الصحابة مات سنة أربع وتسعين ويكنى أبا سليمان.
وشيخهم المذكور في الحديث هو أبو بريد- بضم الباء الموحدة وفتح الراء- عمرو بن سلمة- الجرمي- بفتح الجيم وسكون الراء المهملة.
الثالث: قول: «إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة» أي أصلي صلاة التعليم لا أريد الصلاة لغير ذلك ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العمل.
الرابع: قوله: (أصلي كيف رأيت رسول الله يصلي) يدل على البيان بالفعل وأنه يجري مجرى البيان بالقول وإن كان البيان بالقول أقوى في الدلالة على آحاد الأفعال إذا كان القول ناصا على كل فرد منها.
الخمس: اختلف الفقهاء في جلسة الاستراحة عقيب الفراغ من الركعة الأولى والثالثة فقال بها الشافعي في قول وكذا غيره من أصحاب الحديث وأباها مالك وأبو حنيفة وغيرهما.
وهذا الحديث يستدل به القائلون بها وهو ظاهر في ذلك وعذر الآخرين عنه: أنه يحمل على أنها بسبب الضعف للكبر كما قال المغيرة بن حكيم إنه رأى عبد الله بن عمر يرجع من سجدتين من الصلاة على صدور قدميه فلما انصرف ذكرت ذلك له فقال: إنها ليست من سنة الصلاة وإنما أفعل ذلك من أجل أن أشتكي وفي حديث آخر غير هذا في فعل آخر لابن عمر أنه قال إن رجلي لا تحملاني.
والأفعال إذا كانت للجبلة أو ضرورة الخلقة لا تدخل في أنواع القرب المطلوبة فإن تأيد هذا التأويل بقرينة تدل عليه مثل أن يتبين أن أفعاله السابقة على حالة الكبر والضعف: لم يكن فيها هذه الجلسة أو يقترن فعلها بحالة الكبر من غير أن يدل دليل على قصد القربة فلا بأس بهذا التأويل.
وقد ترجح في علم الأصول: أن مالم يكن من الأفعال مخصوصا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا جاريا مجرى أفعال الجبلة ولا ظهر أنه بيان لمجمل ولا علم صفته من وجوب أو ندب أو غيره فإما أن يظهر فيه قصد القربة أو لا فإن ظهر: فمندوب وإلا فمباح لكن لقائل أن يقول: ما وقع في الصلاة فالظاهر أنه من هيئتها لاسيما الفعل الزائد الذي تقتضي الصلاة منعه وهذا قوي إلى أن تقوم القرينة على أن ذلك الفعل كان بسبب الكبر أو الضعف فحينئذ يظهر بتلك القرينة أن ذلك أمر جبلي فإن قوي ذلك باستمرار عمل السلف على ترك ذلك الجلوس فهو زيادة في الرجحان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alslf.ahlamontada.com
 
باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عبد الله بن مسعود
» قصة موسى عليه السلام في القرآن
» .باب صلاة الكسوف:
» .باب صلاة الخوف:

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السلف الصالح :: الفئة الأولى :: الاحاديث الصحيحه :: كتاب الصلاة: :: باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم:-
انتقل الى: