1- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال: فانخنست منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت, فقال: «أين كنت يا أبا هريرة؟», قال: كنب جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة, فقال: «سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس».
الجنابة دالة على معنى البعد ومنه قوله تعالى: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وعن الشافعي أنه قال: إنما سمي جنبا من المخالطة ومن كلام العرب: أجنب الرجل إذا خالط امرأته.
قال بعضهم: وكأن هذا ضد للمعنى الأول كأنه من القرب منها وهذا لا يلزم فإن مخالطتها مؤدية إلى الجنابة التي معناها البعد على ما قدمناه.
وقول أبي هريرة: (فانخنست منه) الانخناس: الانقباض والرجوع وما قارب ذلك من المعنى يقال: خنس لازما ومتعديا فمن اللازم: ما جاء في الحديث في ذكر الشيطان: «فإذا ذكر الله خنس» ومن المتعدي: ما جاء في الحديث: «وخنس إبهامه» أي قبضها وقيل: إنه يقال أخنسه في المتعدي ذكره صاحب مجمع البحرين.
وقد روي في هذه اللفظة: «فانبجست منه» بالجيم من الانبجاس وهو الاندفاع أي اندفعت عنه ويؤيده قوله في حديث آخر: «فانسللت منه» وروي في هذه اللفظة أيضا: «فانبخست منه» من البخس وهو النقص وقد استبعدت هذه الرواية ووجهت- على بعدها- بأنه اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصاحبته مع اعتقاده نجاسة نفسه هذا أو معناه.
وقوله: (كنت جنبا) أي كنت ذا جنابة وهذه اللفظة تقع على الواحد المذكر والمؤنث والاثنين والجمع بلفظ واحد قال الله تعالى في الجمع: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وقال بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إني كنت جنبا وقد يقال: جنبان وجنبون وأجناب.
وقوله: (فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة) يقتضي استحباب الطهارة في ملابسة الأمور العظيمة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رد ذلك لأن الطهارة لم تزل بقول: «إن المؤمن لا ينجس» لا ردا لما دل عليه لفظ أبي هريرة من استحباب الطهارة لملا بسته صلى الله عليه وسلم وفي هذا نظر.
وقوله: «سبحان الله» تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة.
وقوله: «إن المؤمن لا ينجس» يقال: نجس ونجس ينجس- بالفتح والضم-.
وقد استدل بالحديث على طهارة الميت من بني آدم وهي مسألة مختلف فيها والحديث دل على أن المؤمن لا ينجس فمنهم من خص هذه الفضيلة بالمؤمن والمشهور التعميم وبعض الظاهرية: يرى أن المشرك نجس في حال حياته أخذا بظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] ويقال للشيء: إنه نجس بمعنى أن عينه نجسة ويقال فيه: إنه نجس بمعنى أنه متنجس بإصابة النجاسة له ويجب أن يحمل على المعنى الأول وهو أن عينه لا تصير نجسة لأنه يمكن أن يتنجس بإصابة النجاسة فلا ينفي ذلك.
وقد اختلف الفقهاء في أن الثوب إذا أصابته نجاسة: هل يكون نجسا أم لا؟ فمنهم من ذهب إلى أنه نجس وأن اتصال النجس بالطاهر موجب لنجاسة الطاهر ومنهم من ذهب إلى أن الثوب طاهر في نفسه وإنما يمتنع استصحابه في الصلاة بمجاورة فلهذا القائل أن يقول: دل الحديث على أن المؤمن لا ينجس ومقتضاه: أن بدنه لا يتصف بالنجاسة وهذا يدخل تحته حالة ملابسة النجاسة له فيكون طاهرا وإذا ثبت ذلك في البدن ثبت في الثوب لأنه لا قائل بالفرق.
أو يقول: البدن إذا أصابته النجاسة: من مواضع النزاع وقد دل الحديث على أنه غير نجس وعلى ما قدمناه- من أن الواجب حمله على نجاسة العين- يحصل الجواب عن هذا الكلام.
وقد يدعي أن يقولنا الشيء نجس حقيقة في نجاسة العين فيبقى ظاهر الحديث دالا عن أن عين المؤمن لا تنجس فتخرج عنه حالة النجس التي هي محل الخلاف.
2- عن عائشة رضي الله عنها قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل ثم يخلل بيديه شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده».
3- وكانت تقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد نغترف منه جميعا.
الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها من وجوه:
أحدها: قولها: (كان إذا اغتسل من الجنابة) يحتمل أن يكون من باب التعبير بالفعل عن إرادة الفعل كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] ويحتمل أن يكون قولها: (اغتسل) بمعنى شرع في الفعل فإنه يقال: فعل إذا شرع وفعل إذا فرغ فإذا حملنا اغتسل على شرع صح ذلك لأنه يمكن أن يكون الشروع وقتا للبداءة بغسل اليدين وهذا بخلاف قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل:98] فإنه لا يمكن أن يكون وقت الشروع في القراءة وقتا للاستعاذة.
الوجه الثاني: يقال كان يفعل كذا بمعنى أنه تكرر منه فعله وكان عادته كما يقال: كان فلان يقري الضيف و«كان رسول الله صلى الله عليه أجود الناس بالخير» وقد يستعمل كان لإفادة مجرد الفعل ووقوع الفعل دون الدلالة على التكرار والأول: أكثر في الاستعمال وعليه ينبغي حمل الحديث وقول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل).
الوجه الثالث: قد تطلق الجنابة على المعنى الحكمي الذي ينشأ عن التقاء الختانين أو الإنزال وقولها: (من الجنابة) في من معنى السببية مجازا عن ابتداء الغاية من حيث إن السبب مصدر للمسبب ومنشأ له.
الوجه الرابع: قولها: (غسل يديه) هذا الغسل قبل إدخال اليدين الإناء وقد تبين ذلك مصرحا في رواية سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
الوجه الخامس: قولها: (وتوضأ وضوءه للصلاة) يقتضي استحباب تقديم الغسل لأعضاء الوضوء في ابتداء الغسل ولا شك في ذلك نعم يقع البحث في أن هذا الغسل لأعضاء الوضوء: هل هو وضوء حقيقة؟ فيكتفي به عن غسل هذه الأعضاء للجنابة فإن موجب الطهارتين بالنسبة إلى هذه الأعضاء واحد أو يقال: إن غسل هذه الأعضاء إنما هو عن الجنابة وإنما قدمت على بقية الجسد تكريما لها وتشريفا ويسقط غسلها عن الوضوء باندراج الطهارة الصغرى تحت الكبرى.
فقد يقول قائل قولها: (وضوءه للصلاة) مصدر مشبه به تقديره: وضوءا مثل وضوءه للصلاة فيلزم من ذلك: أن تكون هذه الأعضاء المغسولة مغسولة عن الجنابة لأنها لو كانت مغسولة عن الوضوء حقيقة لكان قد توضأ عن الوضوء للصلاة فلا يصح التشبيه لأنه يقتضي تغاير المشبه والمشبه به فإذا جعلناها مغسولة للجنابة صح التغاير وكان التشبيه في الصورة الظاهرة.
وجوابه- بعد تسليم كونه مصدرا مشبها به- من وجهين أحدهما: أن يكون شبه الوضوء الواقع في ابتداء غسل الجنابة بالوضوء للصلاة في غير غسل الجنابة والوضوء- بقيد كونه في غسل الجنابة- مغاير للوضوء بقيد كونه خارجا عن غسل الجنابة فيحصل التغاير الذي يقتضي صحة التشبيه ولا يلزم منه عدم كونه وضوءا للصلاة حقيقة.
الثاني: لما كان وضوء الصلاة له صورة معنوية ذهنية شبه هذا الفرد الذي وقع في الخارج بذلك المعلوم في الذهن كأنه يقال: أوقع في الخارج ما يطابق الصورة الذهنية لوضوء الصلاة.
الوجه السادس: قولها: (ثم يخلل بيديه شعره) التخليل ههنا: إدخال الأصابع فيما بين أجزاء الشعر ورأيت في كلام بعضهم: إشارة إلى أن التخليل هل يكون بنقل الماء أو بإدخال الأصابع مبلولة بغير نقل الماء؟ وأشار به إلى ترجيح نقل الماء لما وقع في بعض الروايات الصحيحة في كتاب مسلم: «ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر» فقال هذا القائل: نقل الماء لتخليل الشعر: هو رد على من يقول: يخلل بأصابعه مبلولة بغير نقل الماء قال: وذكر النسائي في السنن ما يبين هذا فقال باب تخليل الجنب رأسه وأدخل حديث عائشة رضي الله عنها فيه فقالت فيه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثا» قال: فهاذا بين في التخليل بالماء انتهى كلامه.
وفي الحديث: دليل على أن التخليل يكون بمجموع الأصابع العشر لا بالخمس.
الوجه السابع: قولها: (حتى إذا ظن) يمكن أن يكون الظن هاهنا بمعنى العلم ويمكن أن يكون هاهنا على ظاهره من رجحان أحد الطرفين مع احتمال الآخر ولولا قولها بعد ذلك: (أفاض عليه الماء ثلاث مرات) لترجح أن يكون بمعنى العلم فإنه حينئذ يكون مكتفى به أي بري البشرة وإذا كان مكتفى به في الغسل ترجح اليقين لتيسر الوصول إليه في الخروج عن الواجب على أنه قد يكتفي بالظن في هذا الباب فيجوز حمله على ظاهره مطلقا.
وقولها: (أروى) مأخوذ من الري الذي هو خلاف الطش وهو مجاز في ابتلال الشعر بالماء يقال: رويت من الماء- بالكسر- أروى ريا وريا وروى وأرويته أنا فروي.
وقولها: (بشرته) البشرة: ظاهر جلد الإنسان والمراد بإرواء البشرة: إيصال الماء إلى جميع الجلد ولا يصل إلى جميع جلده إلا وقد ابتلت أصول الشعر أو كله.
وقولها: (أفاض الماء) إفاضة الماء على الشيء: إفراغه عليه يقال: فاض الماء: إذا جرى وفاض الدمع: إذا سال.
وقولها: (على سائر جسده) أي بقيته فإنها ذكرت الرأس أولا والأصل في سائر أن يستعمل بمعنى البقية وقالوا: هو مأخوذ من السؤر قال الشنفرى:
إذا احتملوا رأسي وفي رأس أكثري ** وغودر عند الملتقى ثم سائري
أي بقيتي وقد أنكر في أوهام الخواص: جعلها بمعنى الجميع وفي كتاب الصحاح: ما يقتضي تجويزه.
الوجه الثامن: في الحديث دليل على جواز اغتسال المرأة والرجل من إناء واحد وقد أخذ منه جواز اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة فإنهما إذا اعتقبا اغتراف الماء: كان اغتراف الرجل في بعض الاغترافات متأخرا عن اغتراف المرأة فيكون تطهيرا بفضلها.
ولا يقال: إن قولها: (نغترف منه جميعا) يقتضي المساواة في وقت الاغتراف لأنا نقول: هذا اللفظ يصح إطلاقه- أعني: نغترف منه جميعا- على ما إذا تعاقبا الاغتراف ولا يدل على اغترافهما في وقت واحد.
وللمخالف أن يقول: أحمله على شروعهما جميعا فإن اللفظ محتمل له وليس فيه عموم فإذا قلت به من وجه اكتفى بذلك والله أعلم.
4- عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: (وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأكفأ بيمينه على يساره مرتين- أو ثلاثا- ثم غسل فرجه ثم ضرب يده بالإرض أو الحائط مرتين- أو ثلاثا- ثم تمضمض.
واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه الماء ثم غسل جسده ثم تنحى فغسل رجليه فأتيته بخرقة فلم يردها فجعل ينفض الماء بيده).
الكلام على حديث ميمونة من وجوه:
أحدها: قد تقدم لنا أن الوضوء بفتح الواو وهل هو اسم لمطلق الماء أو للماء مضافا إلى الوضوء؟ وقد يؤخذ من هذا اللفظ: أنه اسم لمطلق الماء فإنها لم تضفه إلى الوضوء بل إلى الجنابة.
الثاني: قولها فأكفأ أي قلب يقال: كفأت الإناء: إذا قلبته- ثلاثيا- وأكفأته أيضا رباعيا وقال القاضي عياض في المشارق: وأنكر بعضهم أن يكون بمعنى قلب وإنما يقال في قلبت: كفأت ثلاثيا وأما أكفأت فبمعنى: أملت وهو مذهب الكسائي.
الثالث: البداءة بغسل الفرج لإزالة ما علق به من أذى وينبغي أن يغسل في الابتداء عن الجنابة لئلا يحتاج إلى غسله مرة أخرى وقد يقع ذلك بعد غسل الأعضاء للوضوء.
فيحتاج إلى إعادة غسلها فلو اقتصر على غسلة واحدة لإزالة النجاسة وللغسل عن الجنابة فهل يكتفي بذلك أم لابد من غسلتين: مرة للنجاسة ومرة للطهارة عن الحدث؟.
فيه خلاف لأصحاب الشافعي ولم يرد في الحديث إلا مطلق الغسل من غير ذكر تكرار فقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة من حيث إن الأصل عدم غسله ثانيا.
وضربه صلى الله عليه وسلم بالأرض أو الحائط: لإزالة ما لعله علق باليد من الرائحة زيادة في التنظيف.
الرابع: إذا بقيت رائحة النجاسة بعد الاستقصاء في الإزالة: لم يضر على مذهب بعض الفقهاء وفي مذهب الشافعي خلاف وقد يؤخذ العفو عنه من هذا الحديث ووجهه أن ضربه صلى الله عليه وسلم بالأرض أو الحائط لابد وأن يكون لفائدة ولا جائز أن يكون لإزالة العين لأنه لا تحصل الطهارة مع بقاء العين اتفاقا وإذا كانت اليد نجسة ببقاء العين فيها فعند انفصالها ينجس المحل بها وكذلك لا يكون للطعم لأن بقاء الطعم دليل على بقاء العين ولا يكون لإزالة اللون لأن الجنابة بالإنزال أو المجامعة لا تقتضي لونا يلصق باليد وإن اتفق فنادر جدا فبقي أن يكون لإزالة الرائحة ولا يجوز أن يكون لإزالة رائحة تجب إزالتها لأن اليد قد انفصلت عن المحل على أنه قد طهر ولو بقي ما تتعين إزالته من الرائحة لم يكن المحل طاهرا لأنه عند الانفصال تكون اليد نجسة وقد لابست المحل مبتلا فيلزم من ذلك: أن يكون بعض الرائحة معفوا عنه ويكون الضرب على الأرض لطلب الأكمل فيما لا تجب إزالته.
ويحتمل أن يقال: فصل اليد عن المحل بناء على ظن طهارته بزوال رائحته والضرب على الأرض لإزالة احتمال في بقاء الرائحة مع الاكتفاء بالظن في زوالها.
والذي يقوي الاحتمال الأول: ما ورد في الحديث الصحيح كونه صلى الله عليه وسلم: «دلكها دلكا شديدا» والدلك الشديد لا يناسبه هذا الاحتمال الضعيف.
الخامس: قولها: (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه) دليل على مشروعية هذه الأفعال في الغسل واختلف الفقهاء في حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل: واختلف الفقهاء في حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل: فأوجبها أبو حنيفة ونفى الوجوب مالك والشافعي ولا دلالة في الحديث على الوجوب إلا أن يقال: إن مطلق أفعاله صلى الله عليه وسلم للوجوب غير أن المختار أن الفعل لا يدل على الوجوب إلا إذا كان بيانا لمجمل تعلق به الوجوب والأمر بالتطهير من الجنابة ليس من قبيل المجملات.
السادس: قولها: (ثم أفاض على رأسه الماء) ظاهره: يقتضي أنه لم يمسح رأسه صلى الله عليه وسلم كما يفعل في الوضوء وقد اختلف أصحاب مالك على القول بتأخير غسل الرجلين كما في حديث ميمونة هذا: هل يمسح الرأس أم لا؟.
السابع: قولها: (ثم تنحى فغسل رجليه) يقتضي تأخير غسل الرجلين عن إكمال الوضوء وقد اختاره بعض العلماء وهو أبو حنيفة وبعضهم اختار إكمال الوضوء على ظاهر حديث عائشة المتقدم وهو الشافعي وفرق بعضهم بين أن يكون الموضع وسخا أو لا فإن كان وسخا أخر غسل الرجلين ليكون غسلهما مرة واحدة فلا يقع إسراف في الماء وإن كان نظيفا قدم وهو في كتب مذهب مالك له أو لبعض أصحابه.
الثامن: إذا قلنا: إن غسل الأعضاء في ابتداء الغسل وضوء حقيقة فقد يؤخذ من هذا: جواز التفريق اليسير في الطهارة.
التاسع: أخذ من رده صلى الله عليه وسلم الخرقة: أنه لا يستحب تنشيف الأعضاء من ماء الطهارة واختلفوا: هل يكره؟ والذين أجازوا التنشيف استدلوا بكونه صلى الله عليه وسلم جعل ينفض الماء فلو كره التنشيف لكره النفض فإنه إزالة وأما رد المنديل: فواقعه حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون لا لكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو غير ذلك والله أعلم.
العاشر: ذكر بعض الفقهاء في صفة الوضوء: أن لا ينفض أعضاءه وهذا الحديث دليل على جواز نفض الماء عن الأعضاء في الغسل والوضوء مثله وما استدل به على كراهة النفض- وهو ما ورد: «لاتنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان»- حديث ضعيف لا يقاوم هذا الصحيح والله أعلم.
5- عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد».
وضوء الجنب قبل النوم: مأمور به والشافعي حمله على الاستحباب وفي مذهب مالك قولان أحدهما: الوجوب وقد ورد بصيغة الأمر في بعض الأحاديث الصحيحة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «توضأ واغسل ذكرك ثم نم» لما سأله عمر إنه تصيبه الجنابة من الليل وليس في هذا الحديث الذي ذكره المصنف متمسك للوجوب فإنه وقف إباحة الرقاد على الوضوء فإن هذا الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: «فليرقد», ليس للوجوب ولا للاستحباب فإن النوم من حيث هو نوم لا يتعلق به وجوب ولا استحباب فإذا هو للإباحة فتتوقف الإباحة هاهنا على الوضوء وذلك هو المطلوب.
والذين قالوا: إن الأمر هاهنا على الوجوب اختلفوا في علة هذا الحكم فقيل: علته أن يبيت على إحدى الطهارتين خشية الموت في المنام وقيل: علته أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه وبنوا على هاتين العلتين: أن الحائض إذا أرادت النوم هل تأمر بالوضوء؟ فمقتضى التعليل المبيت على إحدى الطهارتين: أن تتوضأ الحائض لأن المعنى موجود فيها ومقتضى التعليل بحصول النشاط: أن لا تؤمر به الحائض لأنها لو نشطت لم يمكنها رفع حدثها بالغسل وقد نص الشافعي على أنه ليس ذلك على الحائض فيحتمل أن يكون راعى هذه العلة فنفى الحكم لانتفائها ويحتمل أن يكون لم يراعها ونفى الحكم لأنه رأى أن أمر الجنب به تعبد ولا يقاس عليه غيره أو رأى علة أخرى غير ما ذكرناه والله أعلم.
6- عن أم سلمة رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: جاءت أم سليم- امرأة أبي طلحة- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم إذا رأت الماء».
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: قولها: إن الله لا يستحيي من الحق هذا تمهيد لبسط عذرها في ذكرها ما يستحيي النساء من ذكره وهو أصل فيما يصنعه الكتاب والأدباء في ابتداء مكاتباتهم ومخاطباتهم من التمهيدات لما يأتون به بعد ذلك والذي يحسنه في مثل هذا: أن الذي يعتذر به إذا كان متقدما.
على المعتذر منه أدركته النفس صافية من العتب وإذا تأخر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه ثم يأتي العذر رافعا وعلى الأول يأتي دافعا.
الثاني: تكلموا في تأويل قولها: (إن الله لا يستحي من الحق) ولعل قائلا يقول: إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان الكلام مثبتا كما جاء: «إن الله حيي كريم» وأما في النفي: فالمستحيلات على الله تنفى ولا يشترط في النفي أن يكون المنفي ممكنا.
وجوابه ألم يرد النفي على الاستحياء مطلقا بل ورد على الاستحياء من الحق فبطريق المفهوم: يقتضي أن يستحيي من غير الحق فيعود بطريق المفهوم إلى جانب الإثبات.
الثالث: قيل في معناه لا يأمر بالحياء فيه ولا يبيحه أولا يمتنع ن ذكره وأصل الحياء الامتناع أو ما يقاربه من معنى الانقباض وقيل: معناه أن سنة الله وشرعه أن لا يستحي من الحق.
وأقول: أما تأويله على أن لا يمتنع من ذكره فقريب لأن المستحيي ممتنع من فعل ما يستحيي منه فالامتناع من لوازم الحياء فيطلق الحياء على الامتناع إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم وأما قولهم إن الله لا يأمر ولا يبيحه فيمكن في توجيهه أن يقال: يصح التعبير بالحياء عن الأمر بالحياء لأن الأمر بالحياء متعلق بالحياء فيصح إطلاق الحياء على الأمر به على سبيل إطلاق المتعلق على المتعلق به وإذا صح إطلاق الحياء على الأمر بالحياء فيصح إطلاق عدم الحياء من الشيء على عدم الأمر به.
وهذه الوجوه من التأويلات تذكر لبيان ما يحتمله اللفظ من المعاني ليخرج ظاهره عن النصوصية لا على أنه يجزم بإرادة متعين منها إلا أن يقوم على ذلك دليل.
وأما قولهم معناه إن سنة الله وشرعه أن الله لا يستحيي من الحق فليس فيه تحرير بالغ فإنه إما أن يسند فعل الاستحياء إلى الله تعالى أو لا ويجعله فعلا لما لم يسم فاعله فإن أسند إلى الله تعالى فالسؤال باق بحاله وغاية ما في الباب: أنه زاد قوله سنة الله وشرعه وهذا لا يخلص من السؤال وإن بنوا الفعل لما لم يسم فاعله فكيف يفسر فعلا بني للفاعل والمعنيان متباينان والإشكال إنما ورد على بنائه للفاعل؟.
الوجه الرابع: الأقرب أن يجعل في الكلام حذف تقديره: إن الله لا يمتنع من ذكر الحق والحق هاهنا خلاف الباطل ويكون المقصود من الكلام: أن يقتدي بفعل الله تعالى في ذلك وبذكر هذا الحق الذي دعت إليه الحاجة إليه من السؤال عن احتلام المرأة.
الوجه الخامس: الاحتلام في الوضع: افتعال من الحلم- بضم الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم- بفتح اللام- واحتلم واحتلمت به واحتلمته وأما في الاستعمال والعرف العام: فإنه قد يخص هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم وهو ما يصحبه إنزال الماء فلو رأى غير ذلك لصح أن يقال له احتلم وضعا ولم يصح عرفا.
الوجه السادس: قولها: (هي) تأكيد وتحقيق ولو أسقطت من الكلام لتم أصل المعنى.
السابع: الحديث دليل على وجوب الغسل بإنزال المرأة الماء ويكون الدليل على وجوبه على الرجل قوله: «إنما الماء من الماء» ويحتمل أن تكون أم سليم لم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» وسألت عن حال المرأة لمسيس حاجتها إلى ذلك ويحتمل أن تكون سمعته ولكنها سألت عن حال المرأة لقيام مانع فيها يوهم خروجها عن ذلك العموم وهي ندرة نزول الماء منها.
الثامن: فيه دليل على أن إنزال الماء في حالة النوم موجب للغسل كإنزاله في حالة اليقظة.
التاسع: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» قد يرد به على من يزعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف إنزالها بشهوتها بقوله: «إذا رأت الماء».
العاشر: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» يحتمل أن يكون مراعاة للوضع اللغوي في قولها احتلمت فإنا قد بينا أن الاحتلام رؤية المنام كيف كان وضعا فلما سألت: هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ وكانت لفظة احتلمت عامة: خصص الحكم بما إذا رأت الماء أما لو حملنا لفظة احتلمت على المعنى العرفي: كان قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» كالتأكيد والتحقيق لما سبق من دلالة اللفظ الأول عليه ويحتمل أن يكون الإنزال الذي يحصل به الاحتلام عرفا على قسمين: تارة يوجد معه البروز إلى الظاهر وتارة لا فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء» مخصصا للحكم بحالة البروز إلى الظاهر ويكون فائدة زائدة ليست لمجرد التأكيد إلا أن ظاهر كلام من أشرنا إليه من الفقهاء: يقتضي وجوب الغسل بالإنزال إذا عرفته بالشهوة ولا يوقفه على البروز إلى الظاهر فإن صح ذلك فتكون الرؤية بمعنى العلم هنا أي إذا علمت نزول الماء والله أعلم.
وأم سلمة المذكورة في الحديث زوج النبي صلى الله عليه وسلم اسمها هند بنت أمية المعروف بزاد الركب وأم سليم بنت ملحان- بكسر الميم وسكون اللام وحاء مهملة- يقال لها: الغميصاء والرميصاء أيضا اسمها سهلة وقيل رميلة أو رملة وقيل: رميثة وقيل: مليكة.
7- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه).
وفي لفظ لمسلم: «لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه».
اختلف العلماء في طهارة المني ونجاسته فقال الشافعي وأحمد بطهارته وقال مالك وأبو حنيفة بنجاسته.
والذين قالوا بنجاسته: اختلفوا في كيفية إزالته فقال مالك: يغسل رطبه ويابسه وقال أبو حنيفة يغسل رطبه ويفرك يابسه أما مالك: فعمل بالقياس في الحكمين أعني نجاسته وإزالته بالماء.
أما نجاسته: فوجه القياس فيه من وجوه أحدها: أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه: نجسة والمني منها فليكن نجسا وثانيها: أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها أي من الأحداث الموجبة للطهارة وثالثها: أنه يجري في مجرى البول فينجس.
وأما في كيفية إزالته: فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء إلا ما عفي عنه من آثار بعضها والفرد ملحق بالأعم الأغلب.
وأما أبو حنيفة: فإنه اتبع الحديث في فرك اليابس والقياس في غسل الرطب ولم ير الاكتفاء بالفرك دليلا على الطهارة وشبهه بعض أصحابه بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو بنعله فطهورهما التراب» رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة فإن الاكتفاء بالدلك فيه لا يدل على طهارة الأذى.
وأما الشافعي: فاتبع الحديث في فرك اليابس ورآه دليلا على الطهارة فإنه لو كان نجسا لما اكتفى فيه إلا بالغسل قياسا على سائر النجاسات فلو اكتفى بالفرك- مع كونه نجسا- لزم خلاف القياس والأصل: عدم ذلك.
وهذا الحديث يخالف ظاهره ما ذهب إليه مالك وقد اعتذر عنه بأن حمل على الفرك بالماء وفيه بعد لأنه ثبت في بعض الروايات في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري» وهذا تصريح بيبسه وأيضا في.
رواية يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يابسا وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبا) شك الراوي وهذا التقابل بين الفرك والغسل: يقتضي اختلافهما.
والذي قرب التأويل المذكور- عند من قال به- ما في بعض الروايات عن عائشة: أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب إنما يجزيك- إن رأيته- أن تغسل مكانه وإن لم تره نضحت حوله فلقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه وحكمت بالنضح لما لم يره وهذا حكم النجاسات.
فلو كان هذا الفرك المذكور من غير ماء: ناقض آخر الحديث أوله الذي يقتضي حصر الإجزاء في الغسل ويقتضي إجراء حكم سائر النجاسات عليه في النضح إلا أن دلالة قولها لأحكه يابسا بظفري أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن من كونه مفروكا بالماء.
والحديث واحد اختلفت طرقه وأعني بالقرائن: النضح لما لم يره وقولها: إنما كان يجزيك.
ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك قال: هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلي فيه فيحمل على ثوب النوم ويحمل الحديث الآخر الذي ذكره المصنف- وهو قولها: (فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه)- على ثوب الصلاة.
ولا يقال: إذا حملتم الفرك إلى غير ثوب الصلاة فأي فائدة في ذكر ذلك؟ لأنا نقول: فائدته بيان جواز لبس الثوب النجس في غير حالة الصلاة.
وهذه الطريقة قد تتمشى لو لم تأت روايات صحيحة بقولها: (ثم يصلي فيه) وفي بعضها: (فيصلي فيه) وأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب: أنه يعقب الصلاة بالفرك ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة إلا أنه قد ورد بالواو وبثم أيضا في هذا الحديث واحدا فالألفاظ مختلفة والمقول منها واحد فتقف الدلالة بالفاء إلا لمرجح لها وإن كانت الرواية بالفاء حديثا مفردا فيتجه ما قاله.
واعلم أن احتمال غسله بعد الفرك واقع لكن الأصل عدمه فيتعارض النظر بين اتباع هذا الأصل وبين اتباع القياس ومخالفة هذا الأصل فما ترجح منهما عمل به لاسيما إن انضمت قرائن في لفظ الحديث تنفي هذا الاحتمال فإذا ذاك يتقوى العمل به وينظر إلى الراجح بعد تلك القرائن أو من القياس.
وقد استعمل في هذا الحديث لفظ الجنابة بإزاء المني وقد ذكرنا أنه يستعمل بإزاء المنع والحكم الشرعي المرتب على خروج الخارج والله أعلم.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» وفي لفظ: «وإن لم ينزل».
الشعب جمع شعبة وهي الطائفة من الشيء والقطعة منه واختلفوا في المراد بالشعب الأربع فقيل: يداها ورجلاها أو رجلاها وفخذاها أو فخذاها وإسكتاها أو نواحي الفرج الأربع وفسر الشعب بالنواحي وكأنه تحويم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل والأقرب عندي: أن يكون المراد: اليدين والرجلين أو الرجلين والفخذين ويكون الجماع مكنيا عنه بذلك ويكتفي بما ذكر عن التصريح وإنما رجحنا هذا: لأنه أقرب إلى الحقيقة إذ هو حقيقة في الجلوس بينهما وأما إذا حمل على نواحي الفرج: فلا جلوس بينها حقيقة وقد يكتفي بالكناية عن التصريح لا يسما في أمثال هذه الأماكن التي يستحيي من التصريح بذكرها.
وأيضا فقد نقل عن بعضهم أنه قال الجهد من أسماء النكاح ذكر ذلك عن الخطابي وعلى هذا فلا يحتاج إلى أن يجعل قوله: «جلس بين شعبها الأربع» كناية عن الجماع فإنه صرح به بعد ذلك.
وقوله في الحديث: «ثم جهدها» بفتح الجيم والهاء: أي بلغ مشقتها يقال منه: جهده وأجهده أي بلغ مشقته وهذا أيضا لا يراد حقيقته وإنما المقصود منه: وجوب الغسل بالجماع وإن لم ينزل وهذه كلها كنايات يكتفى بفهم المعنى عن التصريح.
وقوله: «بين شعبها الأربع» كناية عن المرأة وإن لم يجر لها ذكر اكتفاء بفهم المعنى من السياق كما في قوله عز وجل: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [صّ: 32] والحكم عند جمهور الأمة على مقتضى هذا الحديث في وجوب الغسل بالتقاء الختانين من غير إنزال وخالف في ذلك داود وبعض أصحابه الظاهرية وخالفه بعض الظاهرية ووافق الجماعة ومستند الظاهرية: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» وقد جاء في الحديث: «إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ» ذكره الترمذي.
9- عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: أنه. كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل؟ فقال: صاع يكفيك, فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخيرا منك- يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم أمنا في ثوب.
وفي لفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ الماء على رأسه ثلاثا».
قال رضي الله عنه: الرجل الذي قال ما يكفيني هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبوه: محمد بن الحنفية.
الواجب في الغسل: ما يسمى غسلا وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه فمتى حصل ذلك تأدى الواجب وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أويتوضأ به وبقدر معلوم قال الشافعي: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي واستحب أن لا ينقص في الغسل من صاع ولا في الوضوء من مد.
وهذا الحديث: أحد ما يستدل به على الاغتسال بالصاع وليس ذلك على سبيل التحديد وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة وذلك- والله أعلم- لاختلاف الأوقات أو الحالات وهو دليل على ما قلناه ومن عدم التحديد.
والصاع: أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والمد رطل وثلث بالبغدادي وأبو حنيفة يخالف في هذا المقدار ولما جاء صاحبه أبو يوسف إلى المدينة وتناظر مع مالك في هذه المسألة استدل عليه مالك بصيعان أولاد المهاجرين والأنصار الذين أخذوها عن آبائهم فرجع أبو يوسف إلى قول مالك.